تعيش غزة وضعًا إنسانيًا بالغ السوء، في ظل تصعيد عسكري إسرائيلي ممنهج يستهدف تصفية القضية الفلسطينية، والقضاء على آخر جيوب المقاومة المطالبة بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني في القدس المحتلة.
جريمة جديدة
وفي تطور خطير، واصلت قوات الاحتلال عدوانها على القطاع، مما ينذر بنسف الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى التوصل لوقف إطلاق نار.
وأعلن الدفاع المدني الفلسطيني صباح الثلاثاء استشهاد 44 شخصًا على الأقل، معظمهم من النساء والأطفال، خلال سلسلة غارات إسرائيلية عنيفة استهدفت مناطق متفرقة في غزة.
وقال المتحدث باسم الدفاع المدني، محمود بصل، لوكالة “فرانس برس”، إنّ “إسرائيل ارتكبت مجازر مروّعة فجراً طالت عائلات بأكملها”، مشيرًا إلى أن طواقم الإنقاذ انتشلت جثامين 15 فردًا من عائلة نصار، بينهم أطفال، عقب استهداف محطة وقود غربي مخيم النصيرات وسط القطاع.
مجازر دير البلح وجباليا
كما أسفر قصف منزل في دير البلح عن استشهاد 12 شخصًا من عائلة أبو سمرة، في حين أوقع قصف آخر استهدف مدرسة “موسى بن نصير” في حي الدرج بمدينة غزة 8 قتلى على الأقل، رغم كونها مركزًا لإيواء آلاف النازحين.
وفي مخيم جباليا شمال القطاع، قُتل 9 أشخاص، بينهم أطفال، جراء استهداف منزل لعائلة المقيد. ولا تزال طواقم الإنقاذ تواجه صعوبات في الوصول إلى عدد من المفقودين بسبب استمرار القصف العنيف في شمال القطاع وخان يونس ورفح.
عملية عربات جدعون
ولم يصدر الجيش الإسرائيلي بعد أي تعليق رسمي حول هذه الغارات، التي تأتي ضمن العملية البرية الواسعة التي أطلقتها إسرائيل تحت مسمى “عربات جدعون”، والتي أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنها تستهدف “السيطرة الكاملة على قطاع غزة”.
وفي رسالة مصورة نشرها مساء الإثنين، صرّح نتنياهو: “المعارك عنيفة، لكننا نحرز تقدماً. سنفرض سيطرتنا على كامل القطاع… لن نتراجع”، في تحدٍ صريح للضغوط الدولية المتزايدة الداعية لوقف الحرب.
أزمة إنسانية خانقة
وعقب استئناف القصف المكثف في 18 مارس، بعد هدنة استمرت نحو شهرين، أغلقت سلطات الاحتلال جميع المعابر ومنعت إدخال المساعدات الإنسانية، ما أثار إدانات واسعة من المنظمات الدولية.
ورغم إعلان الحكومة الإسرائيلية مساء الإثنين السماح بدخول خمس شاحنات مساعدات عبر معبر كرم أبو سالم، مع وعد بزيادة الأعداد لاحقًا، إلا أن الأمم المتحدة ومنظمات إغاثية وصفت هذه الخطوة بـ”غير الكافية”، حيث اعتبرت منظمة “أطباء بلا حدود” ذلك “ذرًا للرماد في العيون”.
وقال مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، إن نحو مليوني شخص في غزة يواجهون خطر المجاعة، بينما حذّرت قوى دولية من اتخاذ “إجراءات ملموسة” ما لم تسمح إسرائيل فورًا بدخول المساعدات وتوقف عملياتها العسكرية.
تحذيرات إقليمية ودولية
في السياق ذاته، انتقد رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، التصعيد الإسرائيلي، معتبرًا ما يجري “سلوكًا عدوانيًا غير مسؤول يُقوّض فرص السلام”، موضحًا أن المفاوضات الأخيرة في الدوحة لم تحقق نتائج بسبب وجود “فجوة جوهرية” بين الطرفين، إذ يسعى أحدهما إلى اتفاق جزئي، بينما يطالب الآخر باتفاق نهائي لوقف الحرب والإفراج عن جميع الأسرى.
غزة تدفع الثمن
وبحسب أحدث بيانات وزارة الصحة في غزة، بلغ عدد الشهداء منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023 نحو 53,486 شهيدًا، بينهم 3,340 منذ استئناف القصف في مارس الماضي.
في المقابل، أعلنت إسرائيل مقتل 1,218 شخصًا في هجوم حماس الذي أشعل فتيل الحرب، مع استمرار احتجاز 57 رهينة في غزة، بينهم 34 تؤكد إسرائيل مقتلهم.
ومع استمرار القصف العنيف، والتصريحات المتشددة من جانب حكومة نتنياهو، والتحذيرات القطرية والدولية، تتضاءل فرص التوصل إلى هدنة جديدة، ما ينذر بتصاعد الأزمة الإنسانية في القطاع خلال الأيام المقبلة.