شهدت الساعات الماضية تغير كبير في الشرق الأوسط عقب أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن وقف إطلاق نار مشروط بين طهران وتل أبيب بوساطة قطرية؛ وَسْط إنكار إيراني وتصعيد ميداني.
بدأت القصة حينما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الإثنين، عن التوصل إلى اتفاق “كامل وشامل” لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، بعد تصعيد عسكري دام 12 يومًا، شهد سقوط مئات القتلى والجرحى وتبادلًا غير مسبوق للهجمات الجوية والصاروخية بين الطرفين.
وفي تصريحات نقلتها قناة «القاهرة الإخبارية»، أفاد ترامب أن الاتفاق يقضي بأن تبدأ إيران وقف إطلاق النار أولًا، على أن تلحق بها إسرائيل بعد مرور 12 ساعة، موضحًا أن الهدنة تُعدّ “سارية بشكل رسمي ونهائي” بعد مرور 24 ساعة من بدء التنفيذ.
وأشار ترامب إلى أن الوساطة التي قادتها دولة قطر لعبت دورًا حاسمًا في إقناع طهران بالقبول بالاتفاق، واصفًا جهود الدوحة بأنها “حاسمة في تجنيب المنطقة المزيد من الدماء والدمار”.
تناقضات المواقف
وعلى الرغم من الإعلان الأمريكي، نفت مصادر رسمية إيرانية تلقي أي مقترحات رسمية لوقف إطلاق النار.
إذ نقلت شبكة CNN عن مسؤول حكومي إيراني، لم تسمّه، قوله إن “طهران لم تتسلم أي عرض لوقف القتال”، معتبرًا التصريحات الأمريكية والإسرائيلية “مجرد خدعة سياسية لتبرير الاعتداءات المستمرة على الأراضي الإيرانية”.
وأضاف المسؤول الإيراني: “في هذه اللحظة، تواصل إسرائيل عدوانها العسكري على بلادنا بالفعل، والحديث عن هدنة غير دقيق ولا يعكس الواقع الميداني”.
أما الجانب الإسرائيلي، فلم يصدر حتى الآن أي بيان رسمي بشأن الالتزام بالاتفاق المعلن من قبل ترامب، غير أن البيت الأبيض أفاد بأن إسرائيل وافقت على وقف إطلاق النار، بشرط التزام إيران بوقف الهجمات أولًا.
خلفية التصعيد
يأتي هذا التطور عقب موجة غير مسبوقة من التصعيد العسكري بين البلدين، بدأت بهجوم أمريكي استهدف منشآت نووية إيرانية مطلع الشهر الجاري.
وردت طهران بهجوم صاروخي على قاعدة عسكرية أمريكية في قطر، تلاه تصعيد مباشر من قبل إسرائيل التي شنت غارات عنيفة على أهداف عسكرية وصاروخية داخل إيران، شملت مواقع قرب العاصمة طهران وسجن “إيفين” الشهير.
وخلال 12 يومًا من القتال، لقي 224 شخصًا مصرعهم في إيران، بينما قُتل 24 إسرائيليًا، إضافة إلى مئات الجرحى من الجانبين، وفق ما أفادت به تقارير صحفية متعددة.
وضع ميداني متأزم
ورغم إعلان ترامب عن وقف إطلاق النار، لا تزال إنذارات جوية مفعلة في مناطق الجولان المحتل، وَسْط تحذيرات من احتمالية استئناف العمليات القتالية في أي لحظة.
كما تشهد العاصمة الإيرانية طهران حالة استنفار وتأهب، مع صدور تعليمات إخلاء لبعض المناطق الحساسة خشية تجدد الهجمات.
ارتدادات اقتصادية فورية
على الصعيد الاقتصادي، انعكس الإعلان عن الاتفاق المبدئي إيجابًا على الأسواق العالمية؛ حيث شهدت أسعار النفط انخفاضًا ملحوظًا، فيما ارتفعت مؤشرات الأسواق الأمريكية بفعل التفاؤل باحتمالية تهدئة التوتر في الشرق الأوسط، وإنهاء واحدة من أخطر المواجهات بين إسرائيل وإيران في العقود الأخيرة.
مصير الاتفاق
ولا يزال الغموض يكتنف تنفيذ الاتفاق في ظل المواقف المتضاربة من الطرفين؛ ويترقب المجتمع الدُّوَليّ تفاصيل التنفيذ العملي للهدنة، وَسْط تساؤلات حول مدى التزام إيران ببدء وقف الهجمات، وموقف إسرائيل إزاء التحركات الإيرانية.
كذلك تتجه الأنظار إلى المواقف الدولية من الاتفاق، لا سيما روسيا، الاتحاد الأوروبي، ودول الخليج، التي دعت في وقت سابق إلى وقف فوري للتصعيد العسكري.
مفاوضات نووية مرتقبة
وتتزامن هذه التطورات مع تحركات دبلوماسية لإعادة إحياء المفاوضات النووية بين إيران والدول الأوروبية، التي من المقرر أن تُعقد بين 20 و23 يونيو الجاري، وَسْط توقعات بأن تساهم الهدنة ـ حال صمودها ـ في تهيئة الأجواء لاستئناف هذه المحادثات الحساسة.
خطوة أولى نحو التهدئة
في ضوء ذلك، يمكن القول إن الإعلان الأمريكي عن وقف شامل لإطلاق النار بين إيران وإسرائيل يمثل خطوة أولى نحو التهدئة، لكنها لا تزال هشه ومشروطة، في ظل استمرار التصعيد الميداني وغياب بيانات رسمية واضحة من طهران وتل أبيب.
وبات من المؤكد أن ساعات ما بعد الإعلان ستكون حاسمة في تحديد مصير هذه الهدنة، بين الالتزام بالتنفيذ أو الانزلاق مجددًا إلى مربع المواجهة المفتوحة.