تتزين شوارع تونس الجميلة بأجواء عيد الأضحى المبارك، فرحة غامرة تغمر القلوب وتسر الأرواح، نسماتٌ من عبق الأضحية تفوح في كلّ ركن، حكاياتٌ تُروى وأسرارٌ تُنثر على قصص الانبياء.
بهجة العيد وطقوسه
يُخيّم عبق العيد على البيوت التونسية منذ فجر أول أيام عيد الأضحى، حيث يستيقظ الجميع على أصوات تكبيرات العيد، ونغمات الأغاني التقليدية التي تُضفي على الأجواء بهجة وفرحًا.
يرتفع صدى تكبيرات العيد من المساجد في كل ولايات تونس و أقاليمها، ممزوجةً بزقزقة العصافير”البشيشيرة” ، لتُعلن بدء رحلةٍ جديدة من الفرح والبهجة. ينطلق الرجال باكراً لأداء شعائر صلاة الغعيد، سائرين على خطى نبيّ الله إبراهيم، حاملين معهم إيماناً راسخاً وتضحيةً خالصة.
في البيوت، يعبق المطبخ برائحة اللحوم المشوية، وتتناغم أصوات النساء وهي تُعدّ ألذّ المأكولات من لحم الأضحية، طبق “المشوي” و”العصبان” و”العصيدة” و”المطبقة ” و” اللحم المفور”وغيرها من الأطباق التقليدية التي تُزيّن موائد العيد.
تتزين البيوت وتنظف قبيل يوم العيد ، ويُخرج الجميع أجمل ما لديهم من ملابس تقليدية كــ” الجبة ” “البرنوس التونسي” ، استعداداً لزيارات العائلة والأصدقاء عشية العيد. يبدأ الكبار بتوزيع قطع اللحم على الأقارب والجيران، بينما ينشغل الصغار بالألعاب والشواء.
حكاية نبيّ الله إبراهيم
تتذكر العائلات في هذه المناسبة المباركة قصة نبيّ الله إبراهيم، عليه السلام، وخُطوته الجسورة في سبيل طاعة الله. يُروى للصغار حكاية إيمان إبراهيم الراسخ، وكيف أُمر بذبح ابنه إسماعيل، عليه السلام، اختباراً لِإيمانه.
يُشرح لهم أنّ إبراهيم لم يتردد في تنفيذ أمر الله، إيماناً منه بأنّ الله لا يُصدر أمراً إلاّ لحكمةٍ عظيمة، فعندما همّ بذبح ابنه، فدى الله إسماعيل بذبحٍ عظيم، تجسيداً لِمعنى التضحية والامتثال وهو ما توارثته الأجيال في تونس فكان عيدا إسلاميا تعبدا و شكرا لله.
عبق العيد ودروسٌ من الحج
تتزامن أجواء عيد الأضحى المبارك مع موسم الحج، تُضفي أجواء الحج على عيد الأضحى المبارك بُعدًا إيمانيًا عميقًا، حيث يتواجد آلاف الحجاج التونسيين في الديار المقدسة ،وقلوبهم بين عائلاتهم بدعوتهم التي تسمع في سماء تونس ، لأداء فريضة الحج وامتثالاً لأمر الله تعالى و أداء ركن من أركان الإسلام.
يُشارك الحجاج في مناسك الحج، من طواف الكعبة، ووقوف عرفات، وسعي الصفا والمروة، ورمي الجمار، راجين من الله تعالى المغفرة والرحمة. و يسبقهم التونسيون و التونسيات بصوم يوم عرفة ، ولا تقتصر أجواء العيد على الفرح والبهجة فقط، بل تُعدّ فرصةً ذهبيةً للتواصل مع المحتاجين والفقراء، ونشر روح التكافل والتضامن بين أفراد المجتمع.
يقوم الكثير من التونسيين بتوزيع أجزاء من أضاحيهم على الفقراء والمحتاجين، تعبيراً عن التآخي والرحمة، اقتداءً بسنة نبي صلى الله عليه و سلم وتوزيع مالذ وطاب من الأكلات المحلية.
يُعدّ عيد الأضحى مناسبةً عظيمةً لِلتأمل في معاني التضحية والإيمان، فرصةٌ لِتعزيز الروابط الأسرية ونشر روح التكافل والتراحم. تُلهمنا دروسُ الحجّ معاني الصبر والمثابرة، وتُشعل في قلوبنا شعلة الأمل والإيمان وتُحاكي قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام، قصة خالدةً عبر الأجيال، شاهدةً على عظمة الإسلام وسموّ تعاليمه.