على الرغم من الأنباء الصاخبة عن حقيقة انفصال بشار الأسد عن زوجته “أسماء” صاحبة الجنسية البريطانية وتدخل الكرملين على خط الأزمة، تساءلت الصحف الغربية عن مستقبل سوريا في تلميح واضح أنها تعيش في فلك مختلف
فبينما ضجت عناوين الصحف العربية عن أنباء أنفصال بشار الأسد عن زوجته أسماء الأسد وتأميم أصوله في موسكو بين النفي والتأكيد كشفت وكالة “الأسوشيتد برس” حقيقة الساعات الأخيرة في حكم سوريا، ومستقبل دمشق في ظل حكم “الجولاني”.
وبعين الخبير أشارت وكالة الأنباء الأمريكية إلى مستقبل سوريا ما بعد الأسد في ظل حكم أحمد الشرع، الملقب بـ”أبو محمد الجولاني” زعيم المعارضة المسلحة، والتي وصفت أسقاطه لنظام الأسد بالمذهل.
ملفات الشرع
حيث فتحت الوكالة الأمريكية ملفات “الشرع”، الذي أستطاع أن يحصل على الدعم الكافي لإسقاط النظام السوري في أيام قليلة، بمباركة شعبية نابعة من ظلم وجبروت النخبة الحاكمة، كاشفة اللغز الأكبر والعمل الدؤوب الذي مارسه زعيم المعارضة المسلحة ورفاقه والثمن الذي سيدفعه الشعب السوري الشقيق.
وبدأت الوكالة العالمية تقريرها بالقول، :” أمضى أبو محمد الجولاني، الزعيم المسلح الذي أطاح بشكل مذهل بالرئيس السوري بشار الأسد، سنوات في العمل على إعادة تشكيل صورته العامة، ونبذ العلاقات الطويلة الأمد مع تنظيم القاعدة وتصوير نفسه على أنه بطل التعددية والتسامح.
وعندما دخل دمشق خلف مقاتليه المنتصرين يوم الأحد، أسقط اسمه الحركي وأشار إلى نفسه باسمه الحقيقي، أحمد الشرع”.
حيث أصبح مدى هذا التحول من المتطرف الجهادي إلى بناء الدولة المحتمل أصبح الآن على المحك.
وبينما فر الأسد للاختباء، سيطرت المعارضة المسلحة على دمشق، ومع انهيار قبضة عائلة الأسد الحديدية لأول مره بعد خمسين عاماً، أصبح السؤال مفتوحاً حول كيفية حكم سوريا.
حيث تعد سوريا موطنًا لمجتمعات عرقية ودينية متعددة، غالبًا ما تتعارض مع بعضها البعض بسبب دولة الأسد وسنوات الحرب.
ويخشى العديد منهم من احتمال سيطرة المتطرفين الإسلاميين السنة على السلطة؛ كما أن البلاد منقسمة بين فصائل مسلحة متباينة، والقوى الأجنبية من روسيا وإيران إلى الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل جميعها لها يدها في هذا المزيج.
وبعد ساعات من الاستيلاء على دمشق، ظهر الشرع البالغ من العمر 42 عاماً لأول مرة في الجامع الأموي الشهير في المدينة، معلناً أن سقوط الأسد “انتصار للأمة الإسلامية”.
وظهر أحد كبار قادة المعارضة المسلحة، أنس صلخدي، على شاشة التلفزيون الرسمي ليعلن: “رسالتنا إلى جميع الطوائف في سوريا، هي أننا نقول لهم أن سوريا للجميع”.
والآن أصبح تنظيم الشرع، الذي صنفته الولايات المتحدة إرهابيًا، وقوته بالمتمردة، “هيئة تحرير الشام” – التي ينتمي العديد من مقاتليها إلى الجهاديين – لاعبا رئيسيا.
لسنوات، عمل الشرع على تعزيز سلطته، بينما كان محصوراً في محافظة إدلب في الركن الشمالي الغربي لسوريا، حيث بدا حكم الأسد المدعوم من إيران وروسيا على جزء كبير من البلاد قوياً.
وكان يناور بين التنظيمات المسلحة ويقضي على منافسيه وحلفائه السابقين؛ لقد سعى إلى تلميع صورة “حكومة الإنقاذ” الفعلية التي يديرها في إدلب لكسب الحكومات الدولية وطمأنة الأقليات الدينية والعرقية في سوريا، وبنى علاقات مع مختلف القبائل والمجموعات الأخرى.
وعلى طول الطريق، خلع زيه باعتباره مقاتلاً إسلامياً متشدداً وارتدى بدلات لإجراء مقابلات صحفية، وتحدث عن بناء مؤسسات الدولة وتحقيق اللامركزية في السلطة لتعكس التنوع في سوريا.
وقال في مقابلة مع شبكة سي إن إن الأسبوع الماضي: “سوريا تستحق نظام حكم مؤسسي، لا يوجد فيه حاكم واحد يتخذ قرارات تعسفية”، مما يعرض إمكانية حل هيئة تحرير الشام في نهاية المطاف بعد سقوط الأسد.
وأضاف: “لا تحكم بالقول، بل بالأفعال”.
بدايات الجولاني
طوال صعوده في صفوف القاعدة، لم يُعرف الشرع إلا باللقب الجهادي الذي أطلقه، وهو أبو محمد الجولاني. وتعود علاقاته بتنظيم القاعدة إلى عام 2003، عندما انضم إلى المعارضين الذين يقاتلون القوات الأمريكية في العراق.
واعتقل الجيش الأمريكي المواطن السوري لكنه بقي في العراق. خلال تلك الفترة، اغتصب تنظيم القاعدة الجماعات ذات التفكير المماثل وشكل دولة العراق الإسلامية “داعش”، بقيادة أبو بكر البغدادي.
في عام 2011، أثارت الانتفاضة الشعبية في سوريا ضد الأسد حملة قمع وحشية من جانب الحكومة وأدت إلى حرب شاملة.
وتزايدت شهرة الجولاني عندما أرسله البغدادي إلى سوريا لتأسيس فرع لتنظيم القاعدة يسمى جبهة النصرة؛ وصنفت الولايات المتحدة الجماعة الجديدة على أنها منظمة إرهابية.
فيما لا يزال هذا التصنيف قائمًا وقد وضعت الحكومة الأمريكية مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه.
جبهة النصرة والصراع السوري
ومع اشتداد الحرب الأهلية في سوريا في عام 2013، اشتدت طموحات الجولاني. وتحدى دعوات البغدادي لحل جبهة النصرة ودمجها مع عملية تنظيم القاعدة في العراق، لتشكيل ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق وسوريا، أو داعش.
ومع ذلك، أعلن الجولاني ولاءه لتنظيم القاعدة، الذي نأى بنفسه فيما بعد عن داعش؛ وبعد أن كان فرع من داعش حاربت جبهة النصرة داعش وقضت على الكثير من منافسيها في صفوف المعارضة السورية المسلحة للأسد.
وفي أول مقابلة له في عام 2014، أبقى الجولاني وجهه مغطى، وأخبر مراسل قناة الجزيرة القطرية أنه يرفض المحادثات السياسية في جنيف لإنهاء الصراع.
وقال إن هدفه هو رؤية سوريا تحكم بموجب الشريعة الإسلامية وأوضح أنه لا يوجد مكان للأقليات العلوية والشيعية والدرزية والمسيحية في البلاد.
توحيد السلطة وتغيير العلامة التجارية
وفي عام 2016، كشف الجولاني عن وجهه للجمهور لأول مرة في رسالة فيديو أعلن فيها أن مجموعته ستعيد تسمية نفسها باسم جبهة فتح الشام – جبهة فتح سوريا – وقطع علاقاتها مع تنظيم القاعدة.
وقال في الفيديو الذي تم تصويره وهو يرتدي الزي العسكري والعمامة: “هذا التنظيم الجديد ليس له أي انتماء لأي جهة خارجية”.
ومهدت هذه الخطوة الطريق أمام الجولاني لتأكيد سيطرته الكاملة على الجماعات المسلحة المنقسمة.
وبعد مرور عام، تغير اسم تحالفه مرة أخرى إلى هيئة تحرير الشام – أي منظمة تحرير سوريا – مع اندماج الجماعات، مما عزز سلطة الجولاني في محافظة إدلب شمال غرب سوريا.
وفي وقت لاحق، اشتبكت هيئة تحرير الشام مع مسلحين إسلاميين مستقلين عارضوا الاندماج، مما شجع الجولاني وجماعته كقوة رائدة في شمال غرب سوريا، قادرة على الحكم بقبضة من حديد.
ومع توطيد سلطته، أطلق الجولاني تحولاً لم يكن من الممكن أن يتخيله سوى القليل، واستبدل زيه العسكري بالقميص والسراويل، وبدأ يدعو إلى التسامح الديني والتعددية.
وناشد الطائفة الدرزية في إدلب، التي استهدفتها جبهة النصرة سابقًا، وزار عائلات الأكراد الذين قتلوا على يد المليشيات المدعومة من تركيا.
وفي عام 2021، أجرى أول مقابلة له مع صحفي أمريكي على قناة PBS. وقال زعيم هيئة تحرير الشام، الذي كان يرتدي سترة وشعره القصير مصفّحاً إلى الخلف، إن مجموعته لا تشكل أي تهديد للغرب وأن العقوبات المفروضة عليها غير عادلة.
وقال: “نعم، انتقدنا السياسات الغربية”، لكن شن حرب ضد الولايات المتحدة أو أوروبا من سوريا، هذا ليس صحيحا، لم نقل إننا نريد القتال”.
فيما تعيش سوريا وضع مهلهل وسط مصالح القوى الإقليمية والعالمية، حيث تمر الأيام على الشعب السوري صاحب الأرض والحق ثقيلة، ليبقى الشعب وحده هو من يدفع ثمن الحرب والدمار، خاصة بعدما خرج الأسد من موسكو في رسالة للشعب السوري وما أعقبها من انفجارات وهجوم في بعض المناطق السورية، ليطل سيناريو الحرب من جديد برئاسة غير عابئ بمقدرات وحقوق الشعب الصوري المنكوب.