في ظل العدوان الإسرائيلي على المدنيين في غزة يعيش الشعب الفلسطيني وضع كارثي تتكشف نتائجه يوم تلو الأخر، ليوضح مدى إجرام دولة الاحتلال ضد المدنيين العزل
وفي ذل الصدد قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا) إنها أوقفت تسليم المساعدات عبر معبر البضائع الرئيسي المؤدي إلى قطاع غزة الذي مزقته الحرب بسبب تهديد العصابات المسلحة التي نهبت القوافل؛ وألقت باللوم في انهيار القانون والنظام إلى حد كبير على السياسات الإسرائيلية.
وفي إسرائيل، كشف تقرير حَسَبَ “أسوشيتد برس”، اتهام وزير دفاع سابق ومنتقد شرس لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو – ومتشدد تجاه الفلسطينيين – الحكومة بالتطهير العرقي في شمال غزة، حيث يتواصل الهجوم العسكري.
وقد يؤدي قرار الوكالة التابعة للأمم المتحدة إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة مع حلول فصل شتاء بارد وممطر ثانٍ، حيث يعيش مئات الآلاف من الفلسطينيين في مخيمات خيام بائسة ويعتمدون على المساعدات الدولية.
وحذر الخبراء بالفعل من المجاعة في الشمال، الذي عزلته القوات الإسرائيلية بشكل شبه كامل منذ أوائل أكتوبر.
معبر كرم أبو سالم
وقال فيليب لازاريني، مدير وكالة الأونروا، المزود الرئيسي للمساعدات في غزة، إن الطريق المؤدي إلى معبر كرم أبو سالم خطير للغاية على جانب غزة؛ فيما أكد نهب مسلحون ما يقرب من 100 شاحنة على الطريق في منتصف نوفمبر الماضي.
وكرم أبو سالم هو المعبر الوحيد بين إسرائيل وغزة المصمم لشحنات البضائع، وكان الشريان الرئيس للمساعدات منذ إغلاق معبر رفح مع مصر من قبل قوات الاحتلال في مايو الماضي.
وفي الشهر الماضي، جاء ما يقرب من ثلثي المساعدات التي دخلت غزة عبر معبر كرم أبو سالم، وفي الأشهر السابقة كانت النسبة أكبر من ذلك، وفقا للأرقام الإسرائيلية.
وفي منشور، ألقى “لازاريني” باللوم إلى حد كبير على إسرائيل في انهيار العمليات الإنسانية في غزة، مشيرًا إلى “القرارات السياسية لتقييد كميات المساعدات”، وانعدام السلامة على الطرق واستهداف إسرائيل لقوة الشرطة الفلسطينية، التي كانت تقدم في السابق خدمات عامة في حماية الأمن بالقطاع المنكوب.
وقال سكوت أندرسون، مدير شؤون الأونروا في غزة، لوكالة “أسوشيتد برس”: “حاولنا نقل خمس شاحنات وتم أخذهم جميعًا”؛ “لذلك وصلنا إلى حد ما إلى نقطة حيث ليس من المنطقي الاستمرار في محاولة نقل المساعدات إذا كان سيتم نهبها”.
وعندما سُئل عما إذا كانت الأونروا قد رأت أدلة تدعم الادعاءات الإسرائيلية بأن حماس كانت وراء نهب المساعدات، أكد أنه لا يوجد تحويل منهجي للمساعدات في غزة.
وأكد المتحدث باسم اليونيسيف، عمار عمار، أن الوضع الأمني ”غير مقبول”، وقال إن المنظمة تقوم بتقييم عملياتها في المعبر.
وقالت الهيئة العسكرية لدولة الاحتلال المسؤولة عن المساعدات الإنسانية لغزة إنها ستواصل العمل مع المجتمع الدُّوَليّ لزيادة المساعدات إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم ومعابر أخرى، وقالت إن الأونروا نسقت أقل من 10% من المساعدات التي دخلت غزة في نوفمبر.
ويتهم الجيش الإسرائيلي الأونروا بالسماح لحماس بالتسلل إلى صفوفها – وهي مزاعم تنفيها الوكالة – وأصدر تشريعا لقطع العلاقات معها الشهر الماضي.
الغارات الإسرائيلية تقتل الأطفال
فيما قال مسؤولون طبيون إن الغارات الإسرائيلية على غزة قتلت ستة أشخاص على الأقل خلال الليل، من بينهم طفلان يبلغان من العمر 6 و8 سنوات، في خيمة أسرهم.
وأدى الهجوم على منطقة المواسي، وهو مخيم ساحلي مترامي الأطراف يأوي مئات الآلاف من النازحين، إلى إصابة والدتهم وشقيقتهم البالغة من العمر 8 أشهر، وفقا لمستشفى ناصر القريب؛ وشاهد مراسل وكالة أسوشيتد برس الجثث مدفونة في الرمال.
وأدى هجوم منفصل في مدينة رفح الجنوبية إلى مقتل أربعة رجال، وفقا لسجلات المستشفى.
وادعى الجيش الإسرائيلي إنه ليس لديه علم بالضربات في أي من الموقعين؛ وتقول إسرائيل إنها تستهدف المسلحين فقط وتحاول تجنب إيذاء المدنيين، لكن ضرباتها اليومية في أنحاء غزة تقتل النساء والأطفال.
واتهم جنرال إسرائيلي كبير ووزير دفاع سابق الحكومة بالتطهير العرقي في شمال غزة حيث أغلق الجيش بلدتي بيت حانون وبيت لاهيا ومخيم جباليا للاجئين ولم يسمح بدخول أي مساعدات إنسانية تقريبا.
وقال موشيه يعالون، الذي شغل منصب وزير الدفاع في عهد نتنياهو قبل استقالته في عام 2016، إن الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية مصممة على “الاحتلال والضم والتطهير العرقي”.
وأضاف “يعالون”، ردا على سؤال من إحدى وسائل الإعلام الإسرائيلية المحلية السبت الماضي: “(إنهم) يقومون في الواقع بتطهير الأراضي من العرب”.
وأضاف الأحد في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية: “قضيتي ليست مع جنود الجيش الإسرائيلي. على العكس من ذلك: أنا أتحدث باسم القادة الذين ينشطون في شمال غزة وتوجهوا إلي لأنهم منزعجون مما يحدث هناك.
وتابع وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق “قادة الاحتلال يتم وضعهم في مواقف تهدد حياتهم؛ لقد وقعوا في معضلات أخلاقية”.
وانتقد حزب الليكود بزعامة نتنياهو تصريحاته السابقة، واتهمه بالإدلاء بـ”تصريحات كاذبة” تعتبر بمثابة جائزة للمحكمة الجنائية الدولية ولمعسكر كارهي إسرائيل.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت وأحد قادة حماس، متهمة إياهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية؛ وتحقق محكمة العدل الدولية في جرائم الإبادة الجماعية ضد إسرائيل.
فيما ترفض دولة الاحتلال هذه الاتهامات وتقول إن المحكمتين متحيزتان ضدها.
محادثات وقف إطلاق النار
بدأت الحرب في غزة عندما شنت حماس عملية عسكرية على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، مما أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص، واحتجاز حوالي 250 رهينة؛ ولا يزال نحو 100 أسير محتجزين داخل غزة، ويعتقد أن حوالي ثلثيهم على قيد الحياة.
وأدى الهجوم الوحشي الإسرائيلي إلى مقتل ما لا يقل عن 44,429 فلسطينيا، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، وفقا لوزارة الصحة في غزة، التي لم تذكر عدد القتلى من المقاتلين؛ وتقول إسرائيل إنها قتلت أكثر من 17 ألف مسلح دون تقديم أدلة.
ودمرت الحرب مساحات شاسعة من الجيب الساحلي وتسببت في نزوح 90% من السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، عدة مرات في كثير من الأحيان.
وتوصلت إسرائيل إلى وقف لإطلاق النار مع مقاتلي حزب الله اللبناني الأسبوع الماضي الذي ظل صامدا إلى حد كبير، لكن هذا الاتفاق لم يتناول الحرب في غزة.
وتعثرت جهود وقف إطلاق النار في غزة بعد أن رفضت إسرائيل طلب حماس بالانسحاب الكامل من القطاع؛ وقالت إدارة بايدن إنها ستبذل مسعى آخر للتوصل إلى اتفاق.
ومن جانبه قال الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوج، بعد لقائه مع والدة الرهينة الإسرائيلي الأمريكي إيدان ألكسندر، الذي ظهر في شريط فيديو نشرته حماس السبت الماضي: “هناك مفاوضات تجري خلف الكواليس، ويمكن القيام بها”.
فيما يبقى الوضع الإنساني الكارثي قائم في قطاع غزة المنكوب وَسْط صمت عالمي مجرم يكتفي بشجب وإدانة الاحتلال الغاشم الذي يستهدف التطهير العرقي ضد الفلسطينيين العزل