في عالم كرة القدم، حيث تصنع الشهرة من أرقام البطولات، ويتحول اللاعبون إلى نجوم على أضواء الألقاب، وُجد رجل شق طريقه بطريقة مختلفة.. لم يكن الأكثر تتويجًا، ولا من حمل كأس الدوري الإنجليزي في مسيرته، لكنه ظلّ في ذاكرة الجماهير كبطل عنيد، غامض، وصاحب روح قتالية لا تعرف الانكسار.
إنه ستيفن جيرارد.. القائد الذي عاش الحلم الإنجليزي في ملاعب ليفربول، ورحل وهو يطارده شبح لقب الدوري الذي استعصى عليه حتى آخر لحظة.
طفولة قاسية وحلم مبكر
وُلد ستيفن جورج جيرارد في 30 مايو عام 1980 بمدينة ويستون بضاحية ليفربول. منذ صغره، عُرف بعشقه لكرة القدم، لكن طفولته لم تخلُ من مآسٍ، حيث تعرّض لحادث كاد يفقد فيه أحد أصابعه بسبب لعبة في الحديقة، لكن الأطباء أنقذوه ليكمل مسيرته في الملاعب.
انضم جيرارد إلى أكاديمية ليفربول في سن التاسعة، حيث بدأ يلفت الأنظار بصلابته وقوة تسديداته وحضوره القيادي حتى وهو طفل بين الصغار.
القائد الذي لا يُقهر
صعد جيرارد للفريق الأول في ليفربول عام 1998، ليصبح سريعًا حجر الأساس في وسط الميدان. لم يكن فقط لاعبًا مهاريًا، بل قائدًا بالفطرة، يحمل شارة القيادة، ويمد زملاءه بالحماس، ويقودهم وقت الأزمات.
على مدار أكثر من 17 عامًا بقميص ليفربول، قاد جيرارد الفريق في 710 مباراة، سجل خلالها 185 هدفًا، وصنع مئات اللحظات التي لا تُنسى.
ملحمة إسطنبول.. أعظم ليلة في التاريخ
ويبقى يوم 25 مايو 2005 هو الأعظم في تاريخ جيرارد.. ليلة نهائي دوري أبطال أوروبا أمام إيه سي ميلان الإيطالي، حين تأخر ليفربول بثلاثية نظيفة في الشوط الأول.
في غرفة الملابس، وقف جيرارد يخطب في زملائه بلهجة حادة وحماس غامر قائلا: “لسنا هنا لنخسر.. إنهم بشر مثلنا.. فلنعد!”
عاد الفريق ليُسجل ثلاثة أهداف في ست دقائق، أحدها برأسية جيرارد، قبل أن يبتسم الحظ لليفربول في ركلات الترجيح ويتوَّج بطلاً في واحدة من أعظم النهائيات في تاريخ كرة القدم.
اللقب الذي استعصى عليه
رغم تحقيقه كل الألقاب الممكنة مع ليفربول، من دوري أبطال أوروبا إلى كأس الاتحاد الإنجليزي، إلا أن لقب الدوري الإنجليزي ظل العقدة الأزلية في مسيرة جيرارد.
أقرب اللحظات كان موسم 2013-2014، حين اقترب ليفربول بشدة من اللقب؛ وبينما كان الفريق بحاجة إلى الفوز أمام تشيلسي للحفاظ على الصدارة، تعثرت قدم جيرارد في لقطة درامية شهيرة، فقد فيها توازنه، ليستغل ديمبا با لاعب تشيلسي الكرة ويُسجل الهدف الأول.
خسر ليفربول اللقاء، وضاعت الحلم من جديد، ولم يتعافَ جيرارد من هذه الذكرى القاسية حتى اعتزاله.
نهاية الأسطورة ورحلة التدريب
في عام 2015، ودّع جيرارد جماهير ليفربول بالدموع، لينتقل إلى نادي لوس أنجلوس جالاكسي الأمريكي، ثم اتجه إلى عالم التدريب، وقاد فريق رينجرز الأسكتلندي لتحقيق لقب الدوري لأول مرة منذ عقد، وكسر هيمنة سلتيك.
عاد بعدها إلى إنجلترا، ليدرب أستون فيلا، محاولًا مواصلة مغامرته في الملاعب من الخطوط الجانبية.
بطل بأسلوبه الخاص
رغم أن مسيرته لم تتوج بلقب الدوري الإنجليزي، إلا أن ستيفن جيرارد ظلّ أيقونة لكرة القدم الإنجليزية، يُحترم من الخصوم قبل الجماهير، ويُضرب به المثل في الوفاء والانتماء.
رجل حمل قلب مدينة ليفربول على كتفيه، وخاض معارك الملعب كما يخوض المحارب معركته الأخيرة.. لا للاستعراض، بل من أجل القميص، والجمهور، والتاريخ.