في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة، برزت المعادن الأرضية النادرة كأحد أبرز الأسلحة غير التقليدية التي قد تستخدمها بكين للضغط على واشنطن، في صراع يمتد من ساحات السياسة إلى عمق الصناعات التكنولوجية والعسكرية.
المعادن النادرة
تُعرف المعادن الأرضية النادرة بأنها مجموعة من 17 عنصراً كيميائياً تتميز بخواص فريدة تجعلها ضرورية في العديد من التطبيقات المتقدمة، منها التالي:
تصنيع الهواتف الذكية والحواسيب، إنتاج السيارات الكهربائية والبطاريات، صناعة الأسلحة المتطورة والطائرات الحربية، تشغيل الأقمار الصناعية وأنظمة الملاحة.
وأكثر ما يميز هذه العناصر: النيوديميوم، الديزيبروسيوم، اللانثانوم، والإربيوم، وهي تدخل في تصنيع مغناطيسات قوية، وأجهزة الليزر، والألياف البصرية.
الصين والسيطرة على السوق
تمتلك الصين موقعًا مهيمنًا على سوق المعادن الأرضية النادرة، إذ تُنتج نحو 80% من إجمالي الإنتاج العالمي، وتُسيطر كذلك على سلاسل التوريد والتكرير، مما يمنحها نفوذًا استراتيجيًا بالغ الأهمية.
وتعود جذور هذا التفوق إلى سياسات طويلة الأمد اعتمدت عليها بكين لدعم قطاع التعدين والتكرير، فضلاً عن وفرة الاحتياطات الطبيعية لديها.
ورقة ضغط
في عام 2010، استخدمت الصين هذه المعادن كورقة ضغط ضد اليابان في نزاع بحري، حيث علّقت تصديرها، ما تسبب في أزمة صناعية كبرى.
ومنذ ذلك الحين، تنظر الولايات المتحدة بقلق إلى احتمال تكرار السيناريو ذاته، خاصة في ظل التوترات المستمرة بشأن ملفات مثل تايوان، بحر الصين الجنوبي، والحرب التكنولوجية.
ويخشى مراقبون من أن تلجأ بكين إلى فرض قيود على تصدير هذه العناصر، أو رفع أسعارها، في إطار حرب تجارية مستترة تستهدف الصناعات التكنولوجية والدفاعية الأمريكية، مثل شركات تصنيع الطائرات، السيارات الكهربائية، والأنظمة الصاروخية.
البحث عن بدائل
في المقابل، بدأت واشنطن في البحث عن بدائل من خلال دعم مشروعات التعدين المحلي، وتوقيع شراكات مع دول مثل أستراليا وكندا، إضافة إلى التوسع في إعادة تدوير المعادن النادرة من الأجهزة الإلكترونية المستهلكة.
لكن الخبراء يؤكدون أن تقليص الفجوة مع الصين قد يستغرق سنوات، نظرًا لاحتكار بكين ليس فقط للتعدين، بل للتقنيات المتقدمة في فصل وتكرير هذه العناصر، وهي عملية معقدة ومكلفة.
ورقة استراتيجية
المعادن الأرضية النادرة لم تعد مجرد عناصر في الجدول الدوري، بل باتت ورقة استراتيجية تتحكم في مصير الصناعات التكنولوجية العالمية.
وفي صراع الهيمنة بين القوتين العظميين، قد تصبح هذه المعادن السلاح الأذكى والأكثر تأثيرًا في المستقبل القريب.