تُعد البراكين من أعظم قُوَى الطبيعة وأشدها هيبة، إذ تنبع من تشققات في قشرة الأرض، تسمح بخروج الحمم البركانية والرماد وانبعاث الأبخرة والغازات من غرف الصهارة في أعماق الأرض، تاركة خلفها مشاهد من الدمار لا توصف.
بركان إتنا
ورغم المخاطر البالغة، أقدم عدد من المغامرين مؤخرًا على تسلّق بركان إتنا النشط في جنوب إيطاليا، متجاهلين التحذيرات الرسمية وقرار رفع حالة التأهب القصوى.
وقد وثّق هؤلاء مغامرتهم الجريئة وَسْط الحمم المتدفقة، وسحب الدخان الكثيفة، والرياح العاتية، في مشاهد نادرة تفيض بالإثارة والخطر.
بدأت القصة حين قرر المغامرون الاقتراب من فوهة البركان، أحد أكثر البراكين نشاطًا في أوروبا والعالم، متحدّين تحذيرات السلطات المحلية.
مشهد مهيب
وانتشرت عبر وسائل الإعلام لقطات توثق لحظات اقترابهم من الحمم البركانية المتوهجة وسحب الرماد، في مشهد مهيب يتأرجح بين الرهبة والانبهار.
اللقطات المصورة أظهرت تدفّقات الحمم البركانية وهي تضيء السماء بوميضها الأحمر المتقد، في مشهد بديع تتقاطع فيه جلال الطبيعة مع عنفها، وَسْط صمت يخيم على المكان، وكأن البركان يستعد لجولة جديدة من الغضب.
أسطورة إله النار
وعلى الرغم من التقدم العلمي، لا تزال الأساطير تحيط بجبل “إتنا”؛ فقد كان الرومان القدماء يعتقدون أن إله النار “فولكان” يقيم أسفل الجبل، وأن أصوات الثوران ليست إلا تعبيرًا عن غضبه حين يضرب مطرقته داخله، ليحكي التاريخ واحدة من قصص غضب الطبيعة الأم منذ العصور القديمة.
تاريخ من الغضب
يقف بركان إتنا شامخًا فوق جزيرة صقلية بجنوب إيطاليا، بارتفاع يبلغ نحو 3,357 مترًا، يتغيّر بفعل ثوراته المستمرة التي تعيد تشكيل قمته وسفوحه.
وتسجل السجلات التاريخية مئات الثورات العنيفة لهذا العملاق، كان من أبرزها، ثوران عام 1669، الذي يعد أحد أكثر ثوراته تدميرًا، حيث غطت الحمم أجزاء واسعة من مدينة كاتانيا، أما ثوران عام 1928 فدمّر بلدة “ماسالي” بأكملها.
أما في العصر الحديث، فلا يزال إتنا نشطًا بلا توقف، إذ شهدت السنوات الأخيرة نشاطًا متزايدًا، كان آخرها في مايو 2024، حين ارتفعت الحمم إلى مئات الأمتار في مشهد مهيب.
مخاطر متزايدة
يقع إتنا في منطقة مأهولة بالسكان تضم أكثر من مليون نسمة، وتكمن خطورته في ثوراته المفاجئة التي قد تتسبب في انبعاث كميات ضخمة من الرماد البركاني، تُعطّل حركة الطيران فوق البحر المتوسط، فضلًا عن الأنهار البركانية السريعة والواسعة التي تجتاح مساحات شاسعة.
رقابة دقيقة
فيما تُعد محطة المراقبة البركانية في كاتانيا من أقدم وأكثر المحطات تطورًا على مستوى العالم، حيث تعمل على مراقبة نشاط البركان لحظة بلحظة عبر الأقمار الصناعية، وأجهزة الاستشعار الزلزالي، وتحليل الغازات المنبعثة.
وبينما يواصل إتنا زئيره الصاخب منذ آلاف السنين، يبقى واحدًا من أعظم أسرار الطبيعة وأكثرها إثارة للرعب والانبهار في آنٍ واحد.