منذ أن انطلقت أولى الطائرات العسكرية في سماء معركة “فاردون” خلال الحرب العالمية الأولى عام 1916، أصبح الطيران الحربي أحد أعمدة التكتيك العسكري الحديث، وسرعان ما تحولت السماء إلى ميدان قتال حاسم في الحروب الكبرى. وعلى مدار أكثر من قرن، تطورت حروب الطيران من الاشتباكات الفردية بين طائرات بدائية إلى معارك معقدة تقودها مقاتلات شبحية وطائرات مسيّرة ذكية.
وفي إطار هذا التطور المتسارع، كشف الجيش الأمريكي عن مشروع جديد قد يعيد رسم معالم المعارك الجوية في المستقبل، إنها طائرة “فيوري” (Fury)، وهي ليست مجرد مسيّرة، بل مقاتلة ذكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، قادرة على التفكير والمناورة وتنفيذ عمليات هجومية إلى جانب الطائرات المأهولة بتناغم غير مسبوق.
مقاتلة بذكاء اصطناعي
حَسَبَ ما أوردته صحيفة “بيزنس إنسايدر” الأمريكية، تعمل شركة “أندوريل” (Anduril) الأمريكية على تصنيع هذه الطائرة ضمن برنامج “الطائرات القتالية التعاونية” (Collaborative Combat Aircraft) التابع لسلاح الجو الأمريكي، الذي يهدف إلى تطوير طائرات مسيرة ذكية ترافق المقاتلات البشرية، تتحرك في طليعة المعركة، تكتشف التهديدات وتشتبك مع العدو قبل وصول المقاتلات المأهولة إلى مدى الخطر.
وفي حلقة حديثة من برنامج “60 دقيقة” عبر قناة “CBS” الأمريكية، أُزيح الستار عن لقطات حصرية من كواليس تصنيع “فيوري” داخل منشآت الشركة، مما منح المتابعين لمحة أولى عن مشروع يتوقع له أن يشكّل قفزة ثورية في مجال القوات الجوية.
مواصفات قتالية من المستقبل
تمتاز “فيوري” بتصميم معياري يتيح تحديث أجزائها واستبدالها بسهولة، ما يسمح بتصنيعها بكميات كبيرة في مواقع متعددة داخل الولايات المتحدة، دون الاعتماد على مصانع عالية التكلفة.
وفي مشهد لافت عُرض ضمن التقرير التلفزيوني، ظهرت ثلاث طائرات “فيوري” تحلق في تشكيل هجومي متكامل مع طائرة مأهولة، وتنفّذ عملية إسقاط لهدف معادٍ، في محاكاة لتكامل قتالي ذكي بين الآلة والإنسان في سماء الحرب القادمة.
وعلّق برايان شيمبف، الرئيس التنفيذي لشركة “أندوريل”، قائلًا: “هذه الطائرات تتقدم المقاتلات المأهولة، تحدد موقع العدو أولًا، وتباشر الاشتباك معه قبل أن تصل الطائرة البشرية إلى مداها القتالي بوقت طويل.”
استمرارية تطور حروب السماء
منذ دخول الطائرات الحربية ساحة الحرب العالمية الأولى، حيث كانت تستخدم في مهام الاستطلاع ثم القتال الجوي البدائي، إلى ظهور المقاتلات النفاثة في الحرب العالمية الثانية، ثم طائرات الشبح في العقود الأخيرة، ظل الطيران الحربي يتصدر أدوات الهيمنة العسكرية.
واليوم، تدخل القوات الجوية الأمريكية مرحلة جديدة، تعتمد فيها على مقاتلات ذكية مسيّرة تُدار بالذكاء الاصطناعي، قادرة على التحليق المستقل، والتنسيق مع الطيارين البشريين، أو تنفيذ مهام قتالية بمفردها.
المنافسة على حروب المستقبل
وتتنافس شركة “أندوريل” بطائرتها “فيوري” مع شركة “جنرال أتوميكس”، التي تقدم نموذجًا مماثلًا يعتمد على تصميم معياري متطور. ومن المقرر أن تحسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) قرارها بشأن المشروع الأفضل خلال السنة المالية 2026، التي تبدأ في أكتوبر المقبل.
ملامح الحروب الجديدة
بهذا المشروع، يعكس الجيش الأمريكي توجهًا واضحًا نحو مضاعفة أعداد طائراته في السماء بأقل تكلفة، مع اعتماد متزايد على الذكاء الاصطناعي، وَسْط مشهد عسكري عالمي متغير تتصدر فيه المسيّرات والطائرات الذكية ساحات الحروب الحديثة.
فمن “الريد بارون” في سماء الحرب العالمية الأولى، إلى “إف-22 رابتور” في حروب القرن الحالي، وصولًا إلى “فيوري” الذكية.. تتواصل رحلة حروب السماء في التحول من قتال الطيار ضد الطيار، إلى معركة البشر ضد الذكاء الاصطناعي.