مع حلول ذكرى ميلاد الطبيب النمساوي سيجموند فرويد، يستعيد العالم إرث واحد من أكثر المفكرين تأثيرًا وإثارة للجدل في القرن العشرين، والأب المؤسس لعلم التحليل النفسي. فقد أحدث فرويد ثورة فكرية في أساليب فهم وعلاج الاضطرابات النفسية، وفتح آفاقًا جديدة للنظر في أعماق النفس البشرية، رغم الانتقادات التي وُجهت لبعض أفكاره ولا تزال حتى اليوم.
نظريات فرويد
وبحسب موقع “Very Well Mind”، فإن نظريات فرويد ساهمت بشكل كبير في تشكيل المفاهيم الحديثة حول الأحلام، والطفولة، والشخصية، والذاكرة، والجنس، وأساليب العلاج النفسي. كما مهدت أعماله الطريق لعدد من علماء النفس الذين إما طوّروا أفكاره أو تبنوا مواقف مناقضة لها.
من هو سيجموند فرويد؟
وُلد فرويد عام 1856 في بلدة فرايبرغ في إقليم مورافيا (جمهورية التشيك حاليًا)، وكان الابن الأكبر لأسرة كبيرة تضم ثمانية أبناء. انتقلت عائلته إلى فيينا، حيث نشأ وعاش معظم حياته، وحصل على شهادة الطب، ثم تخصص في طب الأعصاب. عُيّن محاضرًا بجامعة فيينا عام 1885.
تأثر فرويد بشكل كبير بمحاضرات الطبيب الفرنسي جان مارتن شاركو أثناء زيارته لباريس، لا سيما أفكاره عن الهستيريا. ورغم رفض المجتمع الطبي النمساوي لأفكاره، واصل فرويد أبحاثه وأعماله التي كان من أبرزها كتاب “حول فقدان القدرة على الكلام”. في السنوات التالية، أسّس مع زميله جوزيف بروير دراسات عن الهستيريا، قبل أن ينفصلا ويكمل فرويد مسيرته منفردًا في تطوير علم التحليل النفسي.
هاجر فرويد إلى إنجلترا عام 1938 بعد تصاعد نفوذ النازية، وتوفي هناك عام 1939.
أشهر نظريات فرويد
رغم مرور أكثر من قرن على أفكاره، ما زالت بعض نظريات فرويد حاضرة بقوة في الثقافة النفسية حتى اليوم. وفيما يلي أبرزها، وفقًا لمجلة Discover Magazine:
1- عقدة أوديب
أكثر نظريات فرويد إثارة للجدل، طرحها عام 1908، وتفترض أن الطفل في سن الثالثة إلى السادسة يختبر رغبة لا واعية تجاه أحد والديه من الجنس الآخر، مع مشاعر غيرة وعداء تجاه الطرف الآخر. وقد خص فرويد الابن بمصطلح عقدة أوديب، بينما تُعرف الحالة لدى الإناث بـعقدة إليكترا. ورغم افتقارها للدليل العلمي، تركت النظرية بصمتها في الأدبيات النفسية.
2- الأنا، الهو، والأنا الأعلى
طرح فرويد عام 1923 تصوره لآليات النفس البشرية، مقسمًا إياها إلى:
الهو: الجزء الغريزي الذي يحرك الدوافع الجنسية والعدوانية.
الأنا الأعلى: الضمير الأخلاقي.
الأنا: الوسيط الذي يوازن بين مطالب الهو والأنا الأعلى وواقع العالم الخارجي.
3- تحليل الأحلام
اعتبر فرويد الأحلام نافذة إلى اللاوعي، وأداة لفهم الرغبات والدوافع المكبوتة. وقدم أفكاره حول الأحلام في كتابه الشهير “تفسير الأحلام” الصادر عام 1899، والذي شكّل منعطفًا في علم النفس.
4- التداعي الحر
اعتمد فرويد في جلسات العلاج على تقنية التداعي الحر، حيث يعبّر المريض عن كل ما يخطر بباله دون رقابة. واعتبرها وسيلة مثلى للوصول إلى أعماق العقل اللاواعي.
5- زلات اللسان
عرفت باسم “زلة فرويد”، واعتبرها فرويد انعكاسًا لرغبات وأفكار مكبوتة تظهر دون قصد في الكلمات أو التصرفات. وناقش هذه الفكرة في كتابه “علم النفس المرضي للحياة اليومية” عام 1901.
إرث متواصل رغم الجدل
رغم تعرض العديد من أفكار فرويد للنقد والتشكيك، إلا أن تأثيره لا يزال حاضرًا بقوة في مجالات الطب النفسي، وعلم النفس، والأدب، والفلسفة، والثقافة الشعبية. وما زالت أفكاره عن العقل الباطن، والدوافع اللاشعورية، وآليات الدفاع، حجر أساس في مدارس علم النفس المعاصر.