على مدار تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، برزت أسماء أبطال قدموا أرواحهم ودماءهم فداءً لأوطانهم، دفاعًا عن الأرض والعِرض في وجه عدوٍ غادرٍ لا يزال يتربص بالمنطقة العربية.
إيلي كوهين
ومن بين أبرز العمليات التي أكدت كفاءة صقور المخابرات العامة المصرية، كانت عملية كشف وإسقاط الجاسوس الشهير إيلي كوهين، الذي استطاع التغلغل داخل هرم السلطة السورية في ستينيات القرن الماضي، تحت اسم مستعار هو كامل أمين ثابت.
البداية من الإسكندرية
لم تبدأ قصة كوهين في دمشق، بل في مدينة الإسكندرية المصرية، حيث وُلد عام 1924؛ التحق مبكرًا بالحركة الصهيونية، وانضم عام 1944 إلى منظمة “الشباب اليهودي الصهيوني”، متحمسًا لفكرها العدائي تجاه الدول العربية.
جون دارلينج
وبعد إعلان دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، هاجر والده وأشقاؤه إلى فلسطين المحتلة، بينما بقي هو في مصر ليعمل تحت إمرة الجاسوس الإسرائيلي إبراهام دار، المعروف باسمه المستعار جون دارلينج، ضمن شبكة تجسس نفذت عمليات تخريب وتفجيرات ضد منشآت أمريكية في القاهرة والإسكندرية بهدف إفساد العلاقات المصرية الأمريكية.
من فضيحة لافون إلى الموساد
في عام 1954، انكشفت تلك الشبكة في القضية المعروفة باسم فضيحة لافون، وبالرغم من تورط كوهين في العمليات، استطاع خداع المحققين والنجاة، إلى أن أُعيد اعتقاله مع بدء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
وبعد الإفراج عنه عام 1957، غادر إلى إسرائيل والتحق بجهاز الموساد ضمن وحدة العمليات الخاصة رَقَم 131.
نحو دمشق باسم مزيف
بعد تدريبات مكثفة، أُرسل كوهين إلى سوريا بهوية جديدة باسم كامل أمين ثابت، حيث نجح في التغلغل داخل المجتمع السوري، وعُرف كرجل أعمال وطني له علاقات وطيدة بكبار القادة العسكريين والسياسيين، حتى أصبح عضوًا قياديًا في حزب البعث العربي الاشتراكي.
لمدة أربع سنوات، ظل يرسل تقارير حساسة إلى تل أبيب حول تحركات الجيش السوري والمنشآت الاستراتيجية، خاصة في هضبة الجولان.
الدور المصري في إسقاطه
على الرغْم كل تلك الحيطة، ظل اسم كوهين مدرجًا ضمن ملفات المخابرات العامة المصرية، وتؤكد التقارير أن مصر لعبت دورًا محوريًا في كشف هويته بالتعاون مع المخابرات السورية، من خلال المصادفة حين التقطت صور له خلال زيارة ميدانية مع قادة عسكريين إلى الجولان.
وعند عرض الصور على ضباط المخابرات المصرية، تعرفوا عليه على الفور لارتباطه بعمليات سابقة في مصر.
رأفت الهجان خيط البداية
فيما تشير رواية أخرى، وثّقها كتاب “دماء على أبواب الموساد.. اغتيالات علماء العرب” للدكتور يوسف حسن يوسف، إلى أن رأفت الهجان (رفعت الجمال) كان وراء أول خيط كشف هوية كوهين.
فقد تعرف على “كوهين” خلال سهرة خاصة في تل أبيب عرّفه خلالها رجال الموساد على كوهين باعتباره رجل أعمال أمريكي من أصول إسرائيلية.
ولم تمر الواقعة مرور الكرام في ذهن الهجان، خاصة بعدما رأى صورة لكوهين في منزل صديقة مغربية له برفقة امرأة وأطفال.
لاحقًا، بينما كان الهجان في روما عام 1965، وقعت عيناه على صورة حديثة لكامل أمين ثابت ضمن وفد عسكري سوري، فتذكر ملامحه جيدًا.
لم يتردد، “البطل المصري”، وأبلغ المعلومة فورًا إلى محمد نسيم، رجل المهام الصعبة في المخابرات المصرية، ومن هناك نُقلت المعلومة إلى الرئيس جمال عبد الناصر، الذي أمر بالتأكد من الأمر.
النهاية على يد أمين الحافظ
سافر ضابط المخابرات حسين تمراز إلى دمشق، حيث التقى بالرئيس السوري أمين الحافظ وأطلعه على تفاصيل القضية.
سرعان ما جرى القبض على كوهين، وَسْط صدمة الشارع السوري، الذي لم يتخيل أن يكون ذلك الرجل الوطني المخلص ما هو إلا جاسوسٌ لمصلحة الاحتلال.
وفي مايو عام 1965، أُعدم إيلي كوهين شنقًا في ساحة المرجة بدمشق، ليطوى بذلك فصلٌ خطير من فصول الجاسوسية في العالم العربي.