تشهد العاصمة الليبية طرابلس توترًا متصاعدًا على خلفية موجة من العصيان المدني والمظاهرات الشعبية الرافضة لحكومة عبد الحميد الدبيبة، وَسْط انتقادات دولية واسعة للانتهاكات التي تمارسها الميليشيات المسلحة ضد المتظاهرين.
طرابلس
وأعلنت عدة بلديات ومناطق في طرابلس، من بينها سوق الجمعة، الزاوية، تاجوراء، وورشفانة، دخولها في حالة عصيان مدني، داعية إلى مظاهرات حاشدة في ميدان الشهداء ومناطق متفرقة من العاصمة للمطالبة باستقالة الحكومة، ومحاسبة المسؤولين عن تصاعد العنف، والمضي نحو تغيير جذري في المشهد السياسي الليبي.
وفي هذا السياق، أعلن “حراك شباب الزاوية” تحركه باتجاه طرابلس، بدعم من مدن الساحل الغربي، للمطالبة بإسقاط حكومة وصفها بـ”الفاسدة والمنتهية الولاية”.
دعوات إلى الشلل التام
بدورها، أعلنت بلدية سوق الجمعة رسمياً بدء العصيان المدني، ودعت إلى تعطيل عمل كافة المؤسسات والإدارات العامة، مطالبة بقية المدن الليبية بالانضمام للحراك الشعبي. كما نددت البلدية بما وصفته بـ”استباحة دماء المواطنين”، مؤكدة أن الصمت لم يعد خياراً، وأن العصيان سيستمر حتى يتخذ المجلس الرئاسي إجراءات حاسمة لإنهاء ما وصفته بـ”عبث الحكومة”.
وحذّرت البلدية من أن أي جهة تحاول عرقلة الحراك السلمي أو التصدي له ستُعد شريكة فيما وصفته بـ”جرائم الحكومة وسفك الدماء”.
رفض للفتنة
في محاولة لاحتواء التوتر ألمناطقي، شدد المجلس الاجتماعي لسوق الجمعة والنواحي الأربع على أن الغضب الشعبي موجّه إلى الحكومة، وليس إلى مدينة مصراتة، التي ينحدر منها رئيس الحكومة. ودعا المجلس أبناء مصراتة إلى المشاركة في الحراك الوطني الداعي للتغيير، حفاظاً على وحدة الصف الوطني.
مصراتة
من جانبها، أكدت بلدية مصراتة دعمها لحق المواطنين في التغيير عبر الوسائل السلمية وتحت إشراف بعثة الأمم المتحدة، مؤكدة رفضها لأي محاولة لزج المدينة في الأحداث الجارية بطرابلس. واعتبرت البلدية أن ما تشهده البلاد هو نتيجة فشل النخبة السياسية في التوافق على إجراء الانتخابات، ما أدى إلى استمرار مؤسسات منتهية الصلاحية.
كما شددت على دعمها لحق التظاهر السلمي، ورفضها القاطع لأي أعمال تخريبية تمس الممتلكات العامة أو الخاصة.
قلق دُوَليّ
على الصعيد الدُّوَليّ، أعرب رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، نيكولا أورلاندو، عن قلق الاتحاد الأوروبي العميق إزاء سقوط ضحايا مدنيين خلال قمع التظاهرات، وذلك خلال لقائه بنائب رئيس المجلس الرئاسي، موسى الكوني.
ودعا أورلاندو جميع الأطراف الليبية إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار، وحماية المدنيين، والحفاظ على البنية التحتية، مطالبًا بانخراط كافة القُوَى السياسية في حوار وطني شامل برعاية أممية.
وفي سياق متصل، أكد البيان الختامي للقمة العربية المنعقدة في بغداد دعم وحدة وسيادة ليبيا، ورفض جميع أشكال التدخل الأجنبي في شؤونها، كما طالب مجلسي النواب والدولة بالإسراع في إصدار القوانين اللازمة لإجراء الانتخابات.
ومن جهتها، عبّرت مجموعة العمل المعنية بالقانون الإنساني الدُّوَليّ وحقوق الإنسان – التي تضم سويسرا وهولندا وبعثة الأمم المتحدة – عن بالغ قلقها من تصاعد أعمال العنف في طرابلس، معتبرة أن استهداف المدنيين والمرافق الحيوية يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدُّوَليّ الإنساني.
ودعت المجموعة إلى اتخاذ تدابير عاجلة لحماية المدنيين، وضمان سلامة المرافق الطبية والمستشفيات، في ظل استمرار الاشتباكات وسقوط ضحايا وتضرر الممتلكات العامة والخاصة.
ليبيا أمام مفترق طرق
تضع هذه التطورات ليبيا مجددًا على مفترق طرق سياسي وأمني، في ظل تصاعد الغضب الشعبي، وتزايد الضغوط الدولية المطالبة بانتقال سلمي للسلطة، وإنهاء حالة الانقسام السياسي والمؤسساتي التي تُثقل كاهل البلاد منذ سنوات.