لا تزال أصداء الضربة العسكرية الأمريكية للعاصمة الإيرانية طهران، المعروفة إعلاميًّا بـ”مطرقة منتصف الليل”، تتردد في أنحاء الشرق الأوسط والعالم، وَسْط تحذيرات من تداعيات خطيرة قد تؤدي إلى تصعيد إقليمي واسع ينعكس على الأمن والاستقرار الدوليين.
بدأت فصول القصة حينما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الخميس الماضي، أنه سيقرر “خلال الأسبوعين المقبلين” ما إذا كان سيوجه ضربة عسكرية لإيران. إلا أنه، وبعد مرور 48 ساعة فقط، كانت قاذفات الشبح الأمريكية طراز “بي-2” تحلّق داخل الأجواء الإيرانية في مهمة دقيقة لقصف منشآت نووية استراتيجية.
ووفقًا لموقع “أكسيوس” الأمريكي، فإن ترامب أبقى احتمال إلغاء العملية قائمًا، إذا ما توفرت فرصة دبلوماسية. غير أن ذلك التصريح العلني كان في حقيقته “ستار دخان” لإخفاء خُطَّة عسكرية كانت قيد التنفيذ بالفعل، حَسَبَ ما أكده عدد من المسؤولين الأمريكيين.
ونقل الموقع عن أحد مستشاري ترامب قوله: “كانت خدعة متقنة.. علم أن الإعلام لن يقاوم تداولها، وظن الإيرانيون أنه يبالغ أو يمزح.. بينما كان التنفيذ على وشك الانطلاق”. وأوضح مستشار آخر أن ترامب كان يسعى لكسب الوقت دون أن يبدو متحمسًا لخوض حرب، مما أتاح له مساحة تحرّك داخلية حتى بين قيادات معسكر “لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا” (MAGA) الداعين لضبط النفس.
وتعد هذه الضربة، التي استهدفت منشآت نووية إيرانية فجر الأحد الماضي، أكبر عملية عسكرية أمريكية مباشرة ضد طهران منذ الثورة الإيرانية عام 1979. واعتبر ترامب، وفق “أكسيوس”، أن العملية تمثل “نجاحًا عسكريًّا مذهلًا”، جاء بعد شهور من المحاولات الدبلوماسية الفاشلة، بل ومساعٍ سرية لعقد لقاء بين مسؤولين أمريكيين وإيرانيين الأسبوع الماضي.
وأشار التقرير إلى أن ترامب، فور اتخاذه قرار التدخل العسكري يوم الخميس، تولى بنفسه إحكام السيطرة على الخطاب الإعلامي، وضيّق دائرة المشاركين في التخطيط النهائي للعملية. وكما هي العادة في اللحظات الحاسمة من ولايته، بذل فريقه جهودًا كبيرة لتأكيد صورة القيادة الحاسمة.
وأكد مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية أن “هذه لم تكن عملية للبنتاجون فحسب، بل كانت عملية وضع ترامب بنفسه خطتها الإعلامية والعسكرية، واختار توقيتها”. وأضاف قائلًا: “لقد أراد ترامب أن يتفادى تكرار تجربة الرئيس جيمي كارتر الفاشلة في عملية إنقاذ الرهائن بإيران عام 1980”.
استغرق التحضير لهذه الضربة أعوامًا من التخطيط داخل البنتاجون، وجاءت كأكبر استخدام لطائرات “بي-2” في التاريخ العسكري الأمريكي. وذكر “أكسيوس” أنه عقب الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق على منشآت إيرانية مؤخرًا، كان ترامب يأمل أن تسفر مفاوضات نووية سريعة عن إنهاء الأزمة قبل تفاقمها، وعمل على ترتيب لقاءات دبلوماسية مع مسؤولين إيرانيين بوساطة تركية في إسطنبول.
وبحسب التقرير، كان الرئيس الأمريكي مستعدًا لإيفاد نائبه “جيه دي فانس” ومبعوثه الخاص “ستيف ويتكوف”، بل حتى السفر بنفسه إذا اقتضى الأمر. إلا أن فرص اللقاء تبددت بحلول الاثنين، ما دفع ترامب إلى تسريع الاستعدادات العسكرية.
وعلى هامش قمة مجموعة السبع في كندا، أبلغ ترامب البنتاجون بالبدء في التحضيرات النهائية للعملية. وفي اليوم التالي، عقد اجتماعًا بغرفة العمليات مع فريق الأمن القومي لمراجعة خطط القصف، ومدى فاعلية القنابل الخارقة للتحصينات البالغة 30 ألف رطل.
ووفقًا للمصادر، أبلغ الجيش والبنتاجون الرئيس بأن العملية ستنجح. وبعد يوم واحد من التفكير في التأجيل، منح ترامب الضوء الأخضر لوزير الدفاع “بيت هيجسيث” لإطلاق قاذفات “بي-2”.
أفاد “أكسيوس” أن عددًا محدودًا للغاية من مسؤولي الإدارة كانوا على علم بالعملية، في ظل إجراءات مشددة للسرية. وأسهم ترامب نفسه في التعتيم الإعلامي باستخدام تصريحات مبهمة لإبقاء طهران وواشنطن في حالة ترقب.
وفي أثناء تنفيذ الضربة، بعث مبعوث البيت الأبيض “ستيف ويتكوف” برسالة إلى وزير الخارجية الإيراني “عباس عراقجي”، أوضح فيها أن العملية تستهدف المنشآت النووية فقط ولن تتكرر، مع حرص الولايات المتحدة على السعي لحل دبلوماسي.
وأكد ويتكوف في رسالته أن واشنطن لا تزال راغبة في التفاوض، ودعت طهران للعودة إلى طاولة المفاوضات بعد تدمير منشآت تخصيبها النووي الأساسية.