في واحدة من أعظم صفحات التاريخ العسكري المصري، شهد عام 1832 ملحمة حربية كبرى عندما نجح الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا، نجل محمد علي باشا والي مصر، في اقتحام مدينة عكا الحصينة، بعد حصار طويل ومعركة دامية سجلها المؤرخون بحروف من نور.
خلفية المعركة
في إطار ضرب النفوذ التركي في بلاد الشام، وضمن خُطَّة محكمة لبسط النفوذ المصري على المناطق الاستراتيجية الواقعة تحت سيطرة الدولة العثمانية، بقيادة محمد علي باشا، مثّلت مدينة عكا تحديًا كبيرًا أمام الجيش المصري.
فقد كانت من أقوى الحصون العثمانية في الشام، ذات موقع استراتيجي مهم على الساحل الفلسطيني، ومحاطة بأسوار منيعة عجزت عن اقتحامها جيوش عدة عبر القرون.
حصار طويل ومعركة عنيفة
بدأ الحصار المصري لعكا في شتاء عام 1831، واستمر حتى مايو 1832؛ ورغم شراسة الدفاع من داخل المدينة بقيادة العثماني عبد الله باشا والي عكا، استمرت القوات المصرية في تضييق الخناق عليها، باستخدام المدافع الثقيلة والهجمات المتكررة على الأسوار.
استمر الحصار عدة أشهر، شهدت خلالها معارك طاحنة على أطراف المدينة وأسوارها، وتكبد الطرفان خسائر جسيمة؛ غير أن تصميم إبراهيم باشا وحنكته العسكرية مكّنتاه من الصمود والاستمرار حتى لحظة الحسم.
اقتحام المدينة وسقوطها
في مثل هذا اليوم 27 مايو 1832، شنّ الجيش المصري هجومًا كاسحًا بعد أن أنهكت القذائف جدران الحصن وأضعفت الدفاعات العثمانية.
حينها تمكن المصريون من اقتحام الأسوار، والسيطرة على المدينة بعد معركة شرسة من بيت إلى بيت، أعلن بعدها عبد الله باشا استسلامه.
وبسقوط عكا، انهارت آخر معاقل الدولة العثمانية في بلاد الشام أمام الزحف المصري، وفتح الطريق أمام القوات المصرية للتقدم نحو دمشق وحلب وبلوغ الأناضول.
نتائج المعركة
فيما توجت معركة عكا حملة إبراهيم باشا الناجحة في الشام، كما أجبرت الدولة العثمانية على الدخول في مفاوضات مع محمد علي باشا.
وكذا أكدت المعركة الملحمية تفوق الجيش المصري في ذلك العصر، كأحد أقوى الجيوش النظامية في المنطقة.
كما سجّلت عكا في التاريخ كآخر مدينة مقاومة سقطت أمام حملة مصرية منظمة.
الجيش المصري
خلدت هذه المعركة اسم الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا كأحد أعظم القادة العسكريين المصريين في العصر الحديث، واعتُبرت معركة عكا من أبرز المحطات التي شهدت مواجهة مباشرة بين طموح محمد علي وأحلام الدولة العثمانية المتداعية.