تتسارع أزمة كوريا الجنوبية بشكل غير مسبوق فيما تبقى سول على شفا خطوة من تصعيد خطير قد يخضب بالدماء حال صدام الرئيس الكوري يون سوك يول، بالقوى السياسية.
وفي تطور جدي طالب هان دونج هون، زعيم الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية، تعليق مهام الرئيس، يون سوك يول، في أقرب وقت ممكن، في مبادرة تعني عزل الرئيس الكوري من أي منصب سياسي.
وكشف “دونج هون” السر وراء مطالبته مؤكدا أن الرئيس الكوري أمر بإلقاء القبض على ساسة بارزين للاشتباه في أنهم قُوَى معادية للدولة.
وفي نظرة على السياق الكامن وراء الأزمة الكورية وما ترتب عليها من مرسوم لإعلان الأحكام العرفية الصادم في سول، كشف تقرير لوكالة الأنباء الأمريكية الإسوشيتد برس أبعاد أعمق للأزمة.
وبدأ تقرير بالقول :”قد يبدو أن المشاهد الجامحة في سيول، حيث اقتحم المئات من القوات المسلحة والمشرعين المسعورين مبنى البرلمان في كوريا الجنوبية بعد أن أعلن الرئيس فجأة الأحكام العرفية، جاءت من العدم”.
“ولكن الأحداث الفوضوية، التي كانت لا تزال تحدث مع تقدم زعماء المعارضة بمقترح عزل الرئيس ودعوا إلى الاستقالة الفورية للرئيس يون سوك يول، ينبغي لنا أن ننظر إليها في سياق التاريخ السياسي والاجتماعي المضطرب الأخير لكوريا الجنوبية”.
“هذه اللحظات يتردد صداها لدى الكوريين الجنوبيين في حياتهم اليومية، وهم يتطلعون إلى تفسير إعلان يون قصير الأمد لحالة الطوارئ، حتى لو كان لا يزال هناك ارتباك وغضب واسع النطاق بشأن قراره؛ من إضراب الأطباء، إلى زعيم معارضة يتجنب السجن بأعجوبة وَسْط مجموعة كبيرة من القضايا أمام المحكمة، إلى ملايين الأشخاص الذين يملؤون الشوارع احتجاجًا على طرد زعيم منتخب”.
وفيما يلي نظرة على بعض تلك التطورات الحاسمة الأخيرة:
إضراب الأطباء
لعدة أشهر، كانت الصحة، وليس السياسة، هي محور التركيز الرئيسي للعديد من الكوريين الجنوبيين.
وأدى الإضراب الممتد لآلاف الأطباء المبتدئين الذين رفضوا رؤية المرضى أو حضور العمليات الجراحية إلى تعطيل العمليات في المستشفيات في جميع أنحاء البلاد.
الصراع حاد بشكل خاص في دولة تواجه أزمة ديموغرافية كبيرة؛ حيث تتمتع كوريا الجنوبية بواحدة من أسرع معدلات الشيخوخة، وأسرع انكماش سكاني في العالم المتقدم، حيث لا تكاد توجد عائلة لم تكافح من أجل الرعاية الطبية لأحبائها.
بدأ الإضراب، المستمر، في 20 فبراير، ردًا على حملة الحكومة لتوظيف المزيد من طلاب الطب.
واتخذت حكومة يون موقفا متشددا، محذرة من أن الأطباء يجب أن يعودوا إلى العمل أو يواجهوا تعليق تراخيصهم ومحاكماتهم. وقالت حكومة سول إن الإضراب يشكل “تهديدا خطيرا لمجتمعنا”.
فيما يدور النقاش حول خُطَّة الحكومة لرفع الحد الأقصى السنوي للقبول في كُلْيَة الطب في كوريا الجنوبية بمقدار 2000 من 3058 حاليًا.
وتهدف خُطَّة التسجيل إلى إضافة ما يصل إلى 10000 طبيب بحلول عام 2035 للتعامل مع شيخوخة السكان السريعة في البلاد؛ ويقول المسؤولون إن كوريا الجنوبية لديها 2.1 طبيب لكل 1000 شخص، وهو أقل بكثير من المتوسط البالغ 3.7 في العالم المتقدم.
ويتوقع الأطباء المتدربون المضربون أن الأطباء في ظل المنافسة الشديدة سوف يبالغون في علاج المرضى، مما يزيد من النفقات الطبية العامة.
ويقول بعض النقاد إن صغار الأطباء المضربين يعارضون ببساطة خُطَّة الحكومة لأنهم يعتقدون أن إضافة المزيد من الأطباء سيؤدي إلى انخفاض الدخل.
معارضة قوية
التحقيقات والإجراءات القانونية ضد الشخصيات السياسية الكبرى شائعة في كوريا الجنوبية؛ حيث كان جميع الرؤساء السابقين تقريبًا، أو أفراد أسرهم ومساعديهم الرئيسيين، غارقين في الفضائح قرب نهاية فترة ولايتهم أو بعد تركهم لمناصبهم.
كما أن زعيم المعارضة الحالي، لي جاي ميونج، الليبرالي المثير للجدل الذي خسر انتخابات عام 2022 بفارق ضئيل أمام يون، يواجه أيضًا مزاعم بالفساد.
ويقول لي، الذي تعرض للطعن في هجوم وخضع لعملية جراحية في وقت سابق من هذا العام، إن ترويج يون للسياسة المثيرة للانقسام أدى إلى تفاقم الخطاب الوطني السام بالفعل.
وفي الشهر الماضي، أدين “لي” بانتهاك قانون الانتخابات وحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ لإدلائه بتصريحات كاذبة خلال حملة الانتخابات الرئاسية؛ ويواجه ثلاث محاكمات أخرى بتهم فساد وتهم جنائية أخرى.
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت المحكمة العليا ستثبت في أي من القضايا قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في مارس 2027؛ فيما نفى لي بشدة ارتكاب أي مخالفات.
ومن غير الواضح بالطبع كيف ستسير الأحداث في الأيام المقبلة، لكن إعلان الأحكام العرفية يمكن أن يكون بمثابة نعمة للي، خاصة إذا أدى إلى خروج مبكر ليون وإجراء انتخابات رئاسية فرعية.
وفي يوم الأربعاء، قام ببث مباشر لنفسه وهو يتسلق جدارًا بالقرب من البرلمان، وهو واحد من موجة من المشرعين الذين تهربوا من القوات والشرطة للوصول إلى الجمعية الوطنية.
الاحتجاجات تدفع الرئيس لترك منصبه
ولعل الحدث الأكثر أهمية في التاريخ السياسي لكوريا الجنوبية الحديث ــ والحدث الذي سوف يفكر فيه كثير من الناس بينما يواجه يون العواقب المترتبة على إعلانه ــ كان سقوط الرئيسة المحافظة السابقة بارك جيون هاي.
بعد الاحتجاجات شبه اليومية في عام 2016 التي شهدت خروج الملايين إلى الشوارع في جميع أنحاء البلاد، كانت بارك أول زعيم منتخب ديمقراطيًا يُجبر على ترك منصبه منذ وصول الديمقراطية إلى كوريا الجنوبية في أواخر الثمانينيات.
وكانت بارك، التي عفا عنها منافسها الليبرالي وخليفتها الرئيس السابق مون جاي-إن، في أواخر عام 2021، تقضي عقوبة سجن طويلة بتهمة الرشوة وجرائم أخرى.
فازت بارك، ابنة الدكتاتور المغتال بارك تشونج هي، بالانتخابات كأول رئيسة لكوريا الجنوبية في أواخر عام 2012 بعد فوزها على مون بفارق مليون صوت.
واحتفل المحافظون بوالدها باعتباره البطل الذي انتشل البلاد من فقر ما بعد الحرب على الرغم من قمعه لحقوق الإنسان.
وقد تم عزلها من قبل المشرعين في أواخر عام 2016 وتم عزلها رسميًا من منصبها واعتقلت في العام التالي.
ومن بين التهم الرئيسية التي واجهتها كان التواطؤ مع صديقتها المقربة تشوي سون سيل، لتلقي ملايين الدولارات في شكل رشاوي وابتزاز من بعض أكبر مجموعات الأعمال في البلاد، بما في ذلك شركة سامسونج، في أثناء وجودها في منصبها.
وقد وصفت بارك نفسها بأنها ضحية الانتقام السياسي.