بعد مرور ستين عامًا على إعدامه في دمشق، أعلن جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، بالتنسيق مع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، عن تنفيذ عملية سرية داخل الأراضي السورية، أسفرت عن استعادة الأرشيف السوري الرسمي الخاص بالجاسوس الإسرائيلي الشهير إيلي كوهين.
رئيس الموساد
وفي بيان مشترك صدر مساء أمسِ، وصف دافيد برنياع، رئيس جهاز الموساد، العملية بأنها “إنجاز استخباراتي كبير وخطوة حاسمة على طريق الكشف عن مكان دفن كوهين في دمشق”، معتبراً أن استرجاع الأرشيف يشكل حلقة جديدة في مسلسل طويل من العمليات السرية التي تستهدف فك طلاسم واحدة من أشهر قضايا التجسس في تاريخ الصراع العربي–الإسرائيلي.
الجاسوس الذي اخترق قلب سوريا
ويُعد إيلي كوهين أحد أخطر الجواسيس الذين عرفتهم المنطقة في القرن العشرين؛ وُلد باسم إلياهو بن شاؤول كوهين عام 1924 في مدينة الإسكندرية بمصر لعائلة يهودية من أصول شامية.
هاجر “كوهين” إلى إسرائيل عام 1957؛ وسرعان ما التحق بجهاز الموساد، الذي جهّزه بمهمة اختراق المجتمع السياسي والعسكري في سوريا، متقمصًا شخصية رجل الأعمال السوري كامل أمين ثابت العائد من الأرجنتين.
استطاع كوهين، بدهاء شديد، التقرّب من كبار ضباط الجيش السوري ورجالات السلطة، حتى أصبح مقربًا من مراكز صنع القرار، ورافقهم في زيارات ميدانية إلى المواقع العسكرية، خاصة على جبهة الجولان.
حيث نقل لإسرائيل تفاصيل دقيقة عن التحصينات السورية وخطط الانتشار العسكري.
القبض والإعدام
في يناير 1965، وبعد أن أثارت كثافة اتصالاته اللاسلكية مع تل أبيب شكوك الأمن السوري، تمكّنت المخابرات السورية، بمساعدة أجهزة رصد إلكترونية سوفيتية حديثة، من تحديد مصدر الإرسال، وقامت بمداهمة منزله في دمشق أثناء قيامه بعملية بث سرية.
عُثر بحوزته على أجهزة إرسال وأوراق سرية تؤكد تورطه في التجسس لصالح إسرائيل؛ وبتعليمات من القيادة السورية آنذاك، خضع كوهين لمحاكمة عسكرية علنية بُثت وقائعها عبر التلفزيون السوري، وانتهت بإدانته والحكم عليه بالإعدام.
في 18 مايو 1965، تم تنفيذ حكم الإعدام شنقًا في ساحة المرجة بدمشق، بحضور حشد شعبي واسع، في مشهد حفر اسمه في تاريخ الصراع الاستخباراتي بالمنطقة.
محاولات متكررة لاستعادة الرفات
منذ ذلك الحين، لم تتوقف المحاولات الإسرائيلية لاستعادة رفات كوهين؛ ففي عام 2018، أعلنت إسرائيل عن استعادة ساعة اليد الخاصة به، في عملية خاصة وُصفت بأنها نُفذت في “دولة معادية”.
كما جرت مفاوضات سرية، بتنسيق روسي، لإعادة بعض مقتنياته الشخصية وربما رفاته، خاصة مع اندلاع الأزمة السورية عام 2011، ووقوع مناطق واسعة من البلاد خارج سيطرة الحكومة.
وتأتي هذه العملية الجديدة بعد أيام من إعلان إسرائيل عن تنفيذ عملية أخرى في عمق الأراضي السورية، أسفرت عن العثور على رفات جندي إسرائيلي فُقد في حرب لبنان 1982.
في وقت تحدثت فيه تقارير عن استغلال تل أبيب لحالة الاضطراب التي تعيشها سوريا للبحث عن مفقوديها وملفاتها القديمة.
لغز لم يُحسم بعد
على الرغْم مرور أكثر من ستة عقود على إعدامه، لا يزال قبر إيلي كوهين مجهولًا في دمشق، فيما يواصل الموساد الإسرائيلي تتبع أي معلومة تقربه من كشف مصيره النهائي.
وبينما يُنظر إلى الأرشيف المستعاد ككنز استخباراتي ثمين، يرى خبراء أن عملية استعادة رفاته ستكون، إن تحققت، واحدة من أهم إنجازات المخابرات الإسرائيلية في تاريخها.