شغل السقوط الدراماتيكي للنظام السوري عناوين الأخبار العالمية التي ضجت بتكهنات عن أسباب السقوط السريع غير أن في لعبة الرابحون والخاسرون يظلم مستقبل دمشق بين حزب الرابحون والخاسرون من الكعكة السورية.
سقوط الأسد
فسقوط الأسد شكل خطراً محتملاً، وانفتاحاً، على دولة الاحتلال الإسرائيلي المجاورة، التي لم تغفل الفرصة لتنال نصيبها من الكعكة السورية.
فبعد خوض حروب على جبهات متعددة لعدة أشهر، تشعر دولة الاحتلال الآن بالرغبة الملحة للامتداد في الأراضي السورية تحت زريعة الخوف من انتقال الاضطرابات إلى أراضيها المزعومة.
كما تنظر دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى نهاية نظام الأسد على أنها فرصة لعرقلة قدرة إيران على تهريب الأسلحة عبر سوريا إلى جماعة حزب الله اللبنانية.
وكشف تقرير لوكالة “أسوشيتد برس”، تفاصيل سيطرة الجيش الإسرائيلي خلال عطلة نهاية الأسبوع على المنطقة العازلة منزوعة السلاح في سوريا التي تم إنشاؤها كجزء من وقف إطلاق النار لعام 1974 بين البلدين.
وقالت دولة الاحتلال إن هذه الخطوة “وتعني احتلال الأراضي السوري” مؤقتة وتهدف إلى تأمين حدودها.
لكن التوغل أثار إدانات، حيث اتهم منتقدون إسرائيل بانتهاك وقف إطلاق النار وربما استغلال الفوضى في سوريا للاستيلاء على الأراضي.
ولا تزال إسرائيل تسيطر على مرتفعات الجولان التي استولت عليها من سوريا خلال حرب الشرق الأوسط عام 1967 ثم ضمتها لاحقا – وهي خطوة لم يعترف بها معظم المجتمع الدُّوَليّ.
وفي ذلك الصدد نشرت وكالة “أسوشيتد برس”، الأمريكية تقرير ألقى الضوء على التطورات الميدانية الأخيرة على طول الحدود السورية.
أين القوات الإسرائيلية؟
وبدأت الوكالة الأمريكية بسؤال عن مواقع قوات جيش الاحتلال، الذي علق عليه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يوم الأحد الماضي مؤكدا أن القوات جيش الاحتلال تتحرك للسيطرة على منطقة عازلة منزوعة السلاح تبلغ مساحتها حوالي 400 كيلومتر مربع في الأراضي السورية.
وأنشأت الأمم المتحدة المنطقة العازلة بين سوريا ومرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل بعد حرب الشرق الأوسط عام 1973، وتقوم قوة تابعة للأمم المتحدة قوامها نحو 1100 جندي بدوريات في المنطقة منذ ذلك الحين.
وفي زيارة قام بها يوم الأحد إلى قمة تلة في مرتفعات الجولان المطلة على سوريا، قال نتنياهو إنه بسبب تخلي القوات السورية عن مواقعها، فإن تحرك إسرائيل إلى المنطقة العازلة كان ضروريا باعتباره “موقعا دفاعيا مؤقتا”.
وتسيطر المعارضة المسلحة التي أطاحت بالأسد الآن على جزء كبير من سوريا بقيادة أحمد الشرع، أحد كبار المسلحين السابقين في تنظيم القاعدة، على الرغم من أنه قطع العلاقات مع الجماعة المتطرفة منذ سنوات ووعد بحكومة تمثيلية وتسامح ديني.
وأكد تقرير “أسوشيتد برس” أن إسرائيل أرسلت قوات برية وجوية إلى المنطقة العازلة، بما في ذلك على الجانب السوري من جبل الشيخ الذي تكسوه الثلوج، الذي ينقسم بين مرتفعات الجولان ولبنان وسوريا؛ فيما تعرف الولايات المتحدة وحدها بسيطرة إسرائيل على مرتفعات الجولان.
إلى متى ستبقى القوات الإسرائيلية في المنطقة العازلة؟
وتابعت الوكالة الأمريكية في تقريرها بسؤال عن مدة بقاء قوات الاحتلال في الأراضي السورية “المنطقة العازلة”، التي بدأت القوات الإسرائيلية التحرك داخلها بداية من يوم السبت الماضي.
وفي يوم السبت أيضًا، زعم وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون سار أن مسلحون هاجموا قوات الأمم المتحدة بالقرب من الحدود مع إسرائيل.
وأكد “سار”: “الجيش الاحتلال سيطر على مناطق معينة بالقرب من الحدود لمنع سيناريو السابع من أكتوبر من سوريا”، في إشارة إلى هجوم حماس المفاجئ عام 2023 على إسرائيل من قطاع غزة.
وأدان الكثيرون في المنطقة هذه الخطوة، واتهمت الخارجية المصرية إسرائيل بـ”استغلال فراغ السلطة… لاحتلال المزيد من الأراضي السورية وخلق أمر واقع في انتهاك للقانون الدُّوَليّ”.
وهذه ليست المرة الأولى التي تدخل فيها إسرائيل المنطقة العازلة هذا العام.
وبحسب تقرير لوكالة أسوشيتد برس الشهر الماضي، بعد فحص صور الأقمار الصناعية، وجد أن إسرائيل كانت تعمل في مشروع بناء، ربما طريق جديد، على طول الحدود مع سوريا منذ أوائل شهر يوليو، وفي بعض الحالات دخلت المنطقة العازلة في أثناء البناء.
وفي أعقاب تقرير وكالة أسوشيتد برس، حذرت قوات الأمم المتحدة من أن الجيش الإسرائيلي ارتكب “انتهاكات خطيرة” لاتفاق وقف إطلاق النار مع سوريا.
هل تحتل إسرائيل سوريا؟
وشددت قيادات سياسية وعسكرية إسرائيلية على أن السيطرة على المنطقة العازلة مؤقتة وليست مقدمة للدخول إلى أجزاء أخرى من الأراضي السورية.
وقال مسؤول عسكري تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: “الخِطَّة في الوقت الحالي هي أن هذه خطوة مؤقتة للتأكد من الحفاظ على الاستقرار على الحدود، والتأكد من الحفاظ على المنطقة العازلة، وإمكانية بقاء قوات الأمم المتحدة”. تماشيا مع المبادئ التوجيهية العسكرية.
وأشار المسؤول إلى أنه في عام 2014، فرت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من المنطقة العازلة بعد أن هاجم المتمردون السوريون المرتبطون بتنظيم القاعدة معسكراتهم.
وقال المسؤول إنه بعد أن هاجم مسلحون قوات الأمم المتحدة في مطلع الأسبوع، أرادت إسرائيل ضمان عدم تكرار الوضع.
وقال كارميت فالينسي، الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي، وهو مركز بحوث في تل أبيب، إن إسرائيل لا تحاول حاليًا تغيير الحدود أو الاستعداد لاحتلال سوريا.
وأضافت: “في الوقت الحالي، إنها عملية تكتيكية، وليست استراتيجية طويلة المدى، ردًا على الوضع الديناميكي في سوريا”، وأضافت أنه مع انهيار الجيش السوري، تريد إسرائيل حماية حدودها حتى يستقر الوضع.
ما هي مصالح إسرائيل؟
وتقول إسرائيل إن هدفها الفوري هو منع انتشار عدم الاستقرار في سوريا إلى المنطقة الحدودية.
وعرض وزير الدفاع يسرائيل كاتس يوم الإثنين خطط إسرائيل للمنطقة الحدودية، وادعى إنه بعد الانتهاء من السيطرة على المنطقة العازلة، ستنشئ إسرائيل “منطقة أمنية” خارجها من خلال تدمير المدفعية الثقيلة في جميع أنحاء سوريا ومنع إيران من تهريب الأسلحة عبر سوريا إلى لبنان.
وقال وزير الخارجية سار اليوم الاثنين إن إسرائيل ضربت مواقع متعددة تحتوي على أسلحة كيميائية وصواريخ طويلة المدى لمنع وقوعها في أيدي الجهات المعادية.
ولم يذكر سار متى وقعت الضربات، وقال محللون إنه من المرجح أن تواصل إسرائيل تنفيذ ضربات ضد أهداف في جميع أنحاء سوريا.
وتخطط إسرائيل للتواصل مع السكان الدروز في سوريا، وهم أقلية دينية متماسكة تعيش أيضًا في إسرائيل والأردن ولبنان، وتحتفظ ببعض العلاقات عبر الحدود.
وتحاول إسرائيل أيضًا فتح خطوط اتصال مع الجماعات المتمردة السورية، للمساعدة في ضمان عدم استعادة الفصائل المدعومة من إيران لأي أراضي، وفقًا لفالينسي.
وزعم تقرير الوكالة الأمريكية أن دولة الاحتلال ظلت لسنوات تقدم الغذاء والدواء للسوريين حيث تلقى أكثر من 4000 جريح ومريض سوري العلاج الطبي في إسرائيل أو في المستشفيات الميدانية الإسرائيلية؛ ويمكن لهذه الروابط غير الدبلوماسية أن تكون حاسمة الآن. “في إشارة إلى فرض الأمر الواقع على الأرض”، وهي سياسة تحترفها دولة الاحتلال الغاشم.