كانت قد مرت عشرة سنوات حين بدأ العالم يسير بخطى ثابتة نحو ما أسماه بوش الأب “النظام العالمى الجديد” إبان غزو الكويت، و إنهيار الإتحاد السوفيتى، و هاهو بوش الإبن يعلن الحرب على الإرهاب بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر.
مئات التحليلات، والمقالات تصدر مئات المؤتمرات الصحفية تُعقد، وعشرات البرامج ترصد وتحلل الأحداث تتسارع وتيرتها وتزداد حدة والعقل عاجز تماماً عن هضمها وإستيعابها والجميع يتنبأ بأن العالم يقترب أكثر فأكثر من حافة الهاوية.
كنت بين السادسة والسابعة من عمري أنذاك كنت اجلس أمام شاشة التلفاز مع والداي فى إنتظاره فى موعد إسبوعى لم يكن ليخلفه ولو لمرة واحدة إلا إذا تعرض للإيقاف.
وما أكثر هذه المرات التى أوقف فيها لتجاوزه الخطوط الحمراء لشدة إيمانه بقدسية رسالة الصحفي فى توضيح الحقائق دون مواربة أو تجميل.
فكان يوضح ويبسط ويشرح فى هدوء، ويضع المعلومة بين يدى المشاهد بكل أمانة إنه الإعلامى الراحل العظيم “حمدي قنديل”.
كثيراً ما تسائلت، مال طفلة فى السابعة وما كان يقدمه الإعلامى القدير “حمدى قنديل”، وفى كل مرة كانت الإجابة الوحيدة التى يسعفني بها عقلي هى أني كانت ككل الأطفال اللذين يحبون تقليد الكبار اجلس لاشاهد مع أبي وأمي حلقات برامج السياسة ولا افقه مما يطرح شيئاً.
وربما انصرف للعب بعد دقائق لكن لم يكن يضاهى فخري بمعرفة قضايا العالم إسوة بالكبار فخر حتى، ولو لم أفهم ربما كان هذا شعوري أنذاك.
لكن وبعد سنوات أدركت أني كنت اسير على الدرب الذى رسمه الله لي حيث كانت متابعاتي لبرامج “الأستاذ” المستمرة سبباً فى أن أضع نصب عيناي إختيار مجال الصحافة ذلك الدرس الذى علمني إياه دون سابق معرفة، القدير “حمدى قنديل”.
وهو أن الإعلام مسئولية خطيرة فالصحفى حامل فى عنقه أمانة تثقيف أمم، والتأثير فى أفكار أجيال سيسأل عنها.
الأمر ليس مجرد مهنة أو سكب أفكار على الورق لذا عليه أن يراعى أمانته بصقل مواهبه وعقله بتثقيف نفسه والإنفتاح على مختلف الأفكار والآراء وليس مانشهده من فوضى سببها بعض من يصفون أنفسهم بـ”الموهومين”.
على الرغم من ابتعادهم الكامل عن كلمة الموهبة أو حتى الإحتراف، ويظهر هذا جلياً في ركاكة الألفاظ، وتفاهة الموضوعات، وإعتبار المنتقدين ثلة من الحاسدين اللذين يأكل الغل قلوبهم من نجاحات الغير.
إبتسمت وأنا أتخيل دهشة أولئك المُدعين فى حال علموا أن الإعلامى القدير حمدى قنديل قد تندر على بعض موضوعاته التي كان قد كتبها فى بدايات مشواره الصحفي، وأنتقدها علناً فى مختلف المواقف والمحافل.
مؤكداً على أن تطوير الموهبة، وإكتساب الخبرة كافيان لجعل المرء يعترف بإخفاقه فى حين أننا اليوم نرى بعض الدخلاء يحملون لقب “صحفى” لمجرد كتابة بعض السطور في مواقع غير مقننة.
أتاحت لهم الفرصة لإتحافنا بإبداعاتهم المدعاة وماهم بالغى حجم عِظَم هذا اللقب ولو بشق الأنفس.
فهذا اللقب يحتاج لقدرة على تحمل مسئوليته الكبيرة، وأن يكون حامله رقيباً على نفسه وعمله قبل الأخرين كما يحتاج إلى شغف بهذه المهنة العظيمة وبالمعرفة، والتعلم دون إكتفاء.
ولنضع نصب أعيننا دائماً جميعاً وصية “الأستاذ ” لنا نحن أبناؤه الإعلاميين كما كان يحلو له تسميتنا “حبوا الإعلام فإن لم تستطيعوا فحاولوا فإن لم تستطيعوا فأبحثوا لكم عن مهنة أخرى ” رددت بشكل لا إرادى إن لم تحبوا الإعلام أبحثوا لكم عن مهنة أخرى.