في جولة تنافسية بعنوان ليفنى العالم تظهر في الأفق ملامح التوترات الجيوسياسية المتعلقة بالتنافس بين القُوَى الكبرى على النفوذ في المناطق الحيوية.
قناة بنما
ومن بين البؤر الساخنة في العالم تعد قناة بنما، أحد أهم نقاط صراع القُوَى الكبري كونها واحدة من أهم الممرات المائية في العالم؛ فمن بين قضايا كثيرة مثيرة للجدل، لا تزل الفوضى التي خلفتها الإدارة الأمريكية في ملف قناة بنما مثيرة للقلق.
وفي تقرير لموقع “ناشيونال إنترست” أكد أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريقه على حق في إدراك الأهمية الاستراتيجية لبنما، لكنهم مخطئون في طريقة تعاملهم مع القضية.
قصة الفأر والأسد
وطالب التقرير الذي وجه رسالة للرئيس الأمريكي بقراءة قصة الفأر والأسد في إسقاط واضح على غرور القوة لدى إدارة البيت الأبيض في عهد ترامب بتدابير مختلفه عن تصعيد الأزمة
وفي ذلك الصدد وجه التقرير رسالة لإدارة الرئيس ترامب جاء فيها :”ربما تبدو بنما خصما أضعف كثيرا من الولايات المتحدة لكن حكايات الفأر والأسد تظهر الخطر الكامن في الثقة المفرطة في القوة”.
القوة العسكرية
ومن جانبه قال أستاذ القانون جون يو وأستاذ القانون روبرت ديلاهونتي إن ترامب يجب أن “يفكر في إحياء مبدأ مونرو” حول منع نفوذ أي دولة في الأمريكيتين ويجب عليه أن يعتبر القوة العسكرية “خيارًا متطرفًا لكنه ممكنًا”.
الإمبريالية الأمريكية
أما جيمس جاي كارافانو من مؤسسة “هيريتيج” المحافظة فيزعم أن ترامب يتعين عليه أن يبحث عن طرق لمواجهة النفوذ الصيني في بنما وقال “هذا لا يتعلق بتأسيس الإمبريالية الأمريكية”.
كما كشف القرير أن الصين لا تسيطر على القناة، لكنها تعمل على ممارسة نفوذ متزايد في أميركا اللاتينية الأمر الذي تعتبره الولايات المتحدة تهديدا حقيقيا لكن إدارة ترمب ينبغي لها أن تكون أكثر دبلوماسية في طريقة تعاملها مع بنما.
رأس المال السياسي
وتعتمد نظرية ترمب في هذه القضية على أن الحديث بقوة من شأنه أن يزيد من رأس المال السياسي في التعامل مع الحلفاء الأمريكيين وزعم المبعوث الخاص لترامب إلى أميركا اللاتينية، ماوريسيو كلافير كاروني في مقابلة أجريت مؤخرا مع بوليتيكو أن الإدارة الأمريكية تعمل على ترسيخ “المصداقية” من خلال الحديث علنا عن الاستيلاء على قناة بنما ولم يستبعد إمكانية استعادة القناة بالقوة.
ويمكن أن يؤدي اتخاذ موقف علني متشدد، في حين أن التفاوض يتم بهدوء وراء الكواليس، إلى نتائج إيجابية ومع ذلك يظل الخطر المتمثل في أن يأتي هذا النهج بنتائج عكسية مرتفع ولا ينبغي تجاهله.
مواجهة النفوذ الصيني
ومؤخرا، شرح ستيفن والت المشكلات المرتبطة بالدبلوماسية عن طريق التهديد وتتلخص حجته في أن تاريخ السياسة العالمية يشير إلى أن الدول الضعيفة التي تهددها الولايات المتحدة حتى لو لم يكن التهديد حقيقيا ستطلب في النهاية المساعدة من الصين.
وقال والت إن ترامب “قد يفوز ببعض التنازلات في الأمد القريب، لكن النتائج في الأمد البعيد ستكون مقاومة عالمية أكبر وفرصا جديدة لمنافسي أمريكا”.
وكانت تصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة وبنما بشأن قناة بنما، الممر المائي الاستراتيجي الذي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، عقب تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أثارت جدلاً واسعًا حول القناة، مما أدى إلى توتر في العلاقات بين البلدين.
تصريحات ترامب
خلال خطاب تنصيبه في يناير الماضي، أعرب ترامب عن قلقه من النفوذ الصيني المتزايد في القناة، مشيرًا إلى أن الصين تديرها حاليًا، ومؤكدًا على ضرورة استعادة الولايات المتحدة السيطرة عليها.
ردود الفعل البنمية
وفي أول رد فعل، رفض الرئيس البنمي خوسيه راؤول مولينو هذه التصريحات، مؤكدًا أن القناة “بنمية وستبقى كذلك”، ونفى وجود أي سيطرة صينية عليها.
خلفية تاريخية
بُنيت قناة بنما بواسطة الولايات المتحدة وافتُتحت عام 1914، وظلت تحت سيطرتها حتى عام 1999، عندما نُقلت إدارتها إلى بنما بموجب معاهدة توريخوس-كارتر الموقعة عام 1977.
المخاوف الأمريكية
تُعتبر قناة بنما حيوية للتجارة الأمريكية، حيث يمر عبرها نحو 40% من الشحنات التجارية الأمريكية. تُعرب الولايات المتحدة عن قلقها من الاستثمارات الصينية في الموانئ المحيطة بالقناة، معتبرة ذلك تهديدًا لأمنها القومي.
التطورات الأخيرة
في فبراير الماضي، زار وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بنما لمناقشة هذه المخاوف؛ بعد الزيارة، أُعلن أن السفن الحربية الأمريكية ستُعفى من رسوم العبور، وهو ما نفاه الرئيس البنمي، مؤكدًا عدم وجود اتفاق جديد بهذا الشأن.
ويعد فشل الرؤساء الأمريكيين السابقين ومستشاريهم في السياسة الخارجية في إدراك أن رأس المال الأمريكي عظيم لكنه محدود هو السبب وراء تزايد النفوذ الصيني في أمريكا اللاتينية.
الشكر لبنما
وكشف التقرير أن الأزمة تتمثل في الاستراتيجية الأفضل في التعامل مع بنما في أن تقدم الولايات المتحدة دعماً هندسياً متزايداً، وأموالاً لتحديث القناة، وإعلاناً عاماً بالشكر لبنما على العمل مع الولايات المتحدة في مشروع مهم.
ولن تؤدي هذه الخطوات إلى إظهار ضعف واشنطن ولن يشجع مولينو على التحرك في اتجاه الصين لكنها ستكون وسيلة منخفضة التكلفة للولايات المتحدة لممارسة النفوذ في أحد أكثر الأماكن أهمية استراتيجية على الخريطة.
الجفاف الشديد
وعلى صعيد الهندسي في تشغيل قناة بنما فالقناة تمر بأزمة كبيرة منذ عام 2023 بسبب الجفاف الشديد الناجم عن التغيرات المناخية.
حيث تعتمد القناة على مياه الأمطار لملء أقفالها (Locks) وتشغيل نظامها الملاحي، ولكن انخفاض مستويات الأمطار قلل من كمية المياه المتاحة، مما أثر على سعة القناة.
التأثيرات الرئيسية
انخفاض عدد السفن المارة: قامت هيئة قناة بنما بتقليل عدد السفن العابرة يوميًا من حوالي 36 سفينة إلى نحو 24 فقط.
قيود على حمولة السفن: تم فرض حدود على الغاطس (أقصى عمق يمكن للسفينة أن تصل إليه في الماء)، مما أجبر السفن على تقليل حمولتها أو البحث عن طرق بديلة.
ارتفاع تكاليف الشحن: بسبب انخفاض السعة الاستيعابية للقناة، ارتفعت تكاليف الشحن العالمية، مما أدى إلى تأخير تسليم البضائع وزيادة أسعار السلع.
بدائل محتملة: بعض الشركات تبحث عن طرق بديلة مثل الطريق البحري عبر رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا أو ممر القطب الشمالي.
الجهود لحل الأزمة
هيئة قناة بنما تحاول تنفيذ حلول مثل بناء خزانات مياه إضافية وتحسين إدارة الموارد المائية.
بعض الخبراء يطالبون بتسريع تبني تقنيات جديدة، مثل السفن ذات الكفاءة المائية العالية لتقليل استهلاك المياه عند العبور.
التوقعات المستقبلية
إذا استمر الجفاف، قد تزداد حدة الأزمة، مما قد يؤدي إلى تغييرات دائمة في مسارات التجارة البحرية، خاصة إذا بدأت الشركات في البحث عن ممرات بديلة بشكل دائم.
نفوذ القُوَى الكبرى
تُبرز هذه الأزمة التوترات الجيوسياسية حول الممرات المائية الاستراتيجية وتأثير القُوَى الكبرى عليها. بينما تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على نفوذها في المنطقة، تؤكد بنما على سيادتها واستقلالية قرارها بشأن القناة.