في زوايا اليابان الصامتة، خلف أضواء ناطحات السحاب ونظام الحياة المنظم، تختبئ واحدة من أقدم وأقوى عصابات المافيا في العالم: الياكوزا Yakuza، الاسم الذي صار مرادفًا للجريمة المنظمة، والولاء الحديدي، والوشوم التي تحكي قصصًا من الولاء والدم.
من أين بدأت الياكوزا؟
تعود جذور الياكوزا إلى القرن الـ17، حيث نشأت من طبقتين من الخارجين عن القانون: الـ”تيكيا” وهم باعة متجولون يمارسون النصب؛ والـ”باكوتو”: وهم المقامرون المحترفون.
مع الوقت، تحولت هذه المجموعات إلى تنظيم إجرامي منظم له قوانينه الداخلية ومبادئه شبه العسكرية، حتى أصبحت تُعرف بالـ”ياكوزا”، وهي كلمة مشتقة من لعبة الورق اليابانية وتعني “اليد الخاسرة”، في إشارة إلى تمردهم على المجتمع.
كيف يعملون؟
على الرغْم أنهم يُصنفون كمنظمة إجرامية، إلا أن الياكوزا تعمل بهيكل شبه رسمي يشبه الشركات الكبرى، حيث لديهم مكاتب علنية، يصدرون بطاقات عمل، وينظمون مؤتمرات.
فيما يتوزعون ضمن هيكل هرمي صارم، يتصدره الزعيم المعروف بـ”أويابون” (Oyabun)، يتبعه سلسلة من القادة والأعضاء يعرفون بـ”كوبون” (Kobun)، وفق نظام صارم من الطاعة والولاء.
مصادر الدخل والأنشطة
الياكوزا تمثل واحدة من أغنى العصابات حول العالم، ويُقدّر دخلها بمليارات الدولارات سنويًا من الأنشطة الإجرامية.
وتعد أشهر أنشطة الياكوزا، الاتجار بالمخدرات والأسلحة، الابتزاز وغسيل الأموال، الدعارة والقمار، التحكم بسوق العقارات والبناء
ويُعتقد أن بعض أفرع الياكوزا تتعاون مع منظمات إجرامية دولية، مما يجعلها لاعبًا خطيرًا في الجريمة العابرة للحدود.
الوشم
أعضاء الياكوزا يغطون أجسادهم بوشوم تقليدية يابانية تُعرف بـ”إيريزومي”، وتمثل هذه الوشوم رمزًا للولاء والشجاعة والانتماء، وتُعد عملية الحصول عليها مؤلمة وطويلة، لكنها جزء لا يتجزأ من هوية العضو.
العقاب داخل الياكوزا
من الطقوس الشهيرة داخل الياكوزا: عقوبة قطع إصبع اليد الصغير (اليوبيتسومي)، التي تُنفّذ بحق العضو الذي يخطئ أو يخالف القواعد، كعلامة على التوبة.
الياكوزا اليوم
في السنوات الأخيرة، تعرضت الياكوزا لضغوط قوية من الحكومة اليابانية، حيث فرض النظام اليابني قوانين تمنع التعامل معهم تجاريًا ومصرفيًا.
كما أصدرت الجهات الرسمية اليابانية قرارات تقضي بملاحقة قانونية للمسؤولين في العصابات، ما تسبب في تراجع كبير في أعداد الأعضاء (من أكثر من 100 ألف إلى أقل من 30 ألف).
لكن على الرغْم ذلك، لا تزل الياكوزا موجودة وتتحول تدريجيًا نحو أنشطة خفية ومتقدمة تقنيًا، مثل اختراق الأسواق الرقمية والعملات المشفرة.
الياكوزا في السينما
ظهرت الياكوزا في عشرات الأفلام اليابانية والعالمية، أبرزها في أعمال المخرج “تاكيشي كيتانو”، حتى في ألعاب فيديو شهيرة مثل Yakuza Series التي تُقدم صورة سينمائية واقعية عن حياتهم.
فيما تظل العصابة اليابانية تمارس أنشطتها الرهيبة حتى اللحظة لتعبر عن مدى قدرة الجريمة المنظمة على خلق فوضى غير مسبوقة وترويع الأمنين.