في مطلع القرن السابع عشر، دخلت دولة الكومنولث البولندي الليتواني وروسيا القيصرية في واحدة من أطول وأعنف الحروب في تاريخ شرق أوروبا، والتي عُرفت بـ الحرب البولندية الروسية (1609–1618)، وجاءت في سياق صراعات النفوذ والأزمات السياسية المتتالية التي عصفت بالدولة الروسية، خاصة خلال ما سُمِّي بـ”زمن الاضطرابات”.
خلفية الحرب
في أواخر القرن السادس عشر، واجهت روسيا أزمات متلاحقة بعد وفاة القيصر فيودور الأول من أسرة روريك دون وريث مؤهل، ما أشعل صراعًا على العرش بين النبلاء وأمراء الحرب، وظهرت شخصيات طامحة ادعت النسب الملكي، أبرزهم دميتري الزائف الأول، الذي حصل على دعم بولندي سياسي وعسكري.
استغلت بولندا حالة الفوضى الروسية، وسعت إلى توسيع نفوذها باتجاه الشرق، وفرض حاكم بولندي على العرش الروسي، مما دفع الصراع إلى مواجهة مفتوحة.
حصار سمولنسك
في عام 1609، قاد الملك البولندي سيجيسموند الثالث فاسا حملة عسكرية ضخمة باتجاه الأراضي الروسية، وفرض حصارًا على مدينة سمولنسك، وهي واحدة من أهم وأقوى الحصون الروسية آنذاك، نظرًا لموقعها الاستراتيجي بين موسكو والحدود الغربية.
استمر الحصار مدة 20 شهرًا كاملة (من سبتمبر 1609 حتى يونيو 1611)، وسط مقاومة شرسة من القوات الروسية بقيادة الحاكم العسكري ميخائيل شيين، الذي رفض الاستسلام رغم نقص الإمدادات والمجاعات التي اجتاحت سكان المدينة.
طوال الحصار، لجأت القوات البولندية إلى القصف المدفعي المتواصل، وحفر الأنفاق أسفل أسوار المدينة، وشن الهجمات الليلية، بينما كان المدافعون الروس يستميتون في الذود عن المدينة.
سقوط المدينة
في النهاية، وبعد أكثر من عام ونصف من الحصار المتواصل، نجح البولنديون في اقتحام أسوار سمولنسك في يونيو 1611، بعد تدمير أجزاء واسعة من تحصيناتها.
واستولى الجيش البولندي على المدينة، وقُتل آلاف من سكانها وجنودها، وأُسر الحاكم ميخائيل شيين وأُرسل إلى وارسو، حيث بقي سجينًا حتى وفاته.
كان سقوط سمولنسك بمثابة ضربة قاصمة للروس، وأحد أعظم انتصارات الكومنولث البولندي الليتواني خلال الحرب.
نتائج الحرب
استمرت الحرب حتى عام 1618، وانتهت بتوقيع معاهدة ديولينو، التي أقرت بضم بولندا لعدة مناطق حدودية، أبرزها مدينة سمولنسك وأراضٍ في غرب روسيا، في مقابل انسحابها من محيط موسكو.
ظلّت سمولنسك تحت السيطرة البولندية حتى عام 1654، حين استعادها الروس في عهد القيصر ألكسي ميخايلوفيتش.
أثر الحرب
كان لحصار سمولنسك وسقوطها تأثير عميق على الذاكرة التاريخية الروسية، إذ اعتُبرت رمزًا للمقاومة والفداء، وأحد أسباب إعادة بناء الجيش الروسي على أسس جديدة؛ أما البولنديون، فاعتبروا السيطرة على سمولنسك قمة مجدهم العسكري في تلك الحقبة.