خلال المواسم الأخيرة لاحظنا بدء نهضة جديدة للأعمال السورية المعروضة خلال شهر رمضان من الناحية الفنية والفكرية، لنشهد بهذا الموسم طفرة فنية كبرى أحدثتها شركة الصباح إخوان في إنتاج عمل درامي جديد يحمل إسم “تاج”.
تاج ملحمة تاريخية تعيد الدراما السورية لمكانها الريادي بالموسم الرمضاني
بعد تألقها بالموسم السابق بعرض مسلسل “الزند”، العملين السوريين اللذان عملا على إثراء ونجاح الدراما السورية، الشيء الذي كشف عن خطة محكمة ورؤية ثاقبة للشركة في سيرها نحو التميز، وعن سرها الذي يكمن في الإعتناء بالخصوصية المجالية للبيئة الشامية والمصداقية، لعكس الواقع وبذل كل الجهود للحفاظ عن الهوية السورية، ما يعكس اهتماما حقيقيا بملف الدراما بشكل عام، ويؤكد على احترامها للمشاهد العربي بتقديم إنتاج درامي عالي الدقة والجودة باعتماد مقاييس تقنية دولية في تنفيذه.
مسلسل تاج رفع مستوى صناعة الدراما السورية
مسلسل “تاج” رفع مستوى صناعة الدراما على جميع المقاييس، عبر تكلفته إنتاجية ضخمة، باعتماد كتيبة عمل متكاملة، وفريق متخصص في أدق التفاصيل، من بداية التحضيرات بتشييد مدينة كاملة، وصولا لبناء صورة واقعية تقدم للمُشاهد مَشاهد حقيقية أقرب ما تكون لطبيعة مدينة دمشق في فترة الأربعينات، التي عرفت ثورة عمرانية شكلت المدينة في أبهى حالاتها على الشكل الأوروبي، مع تحقيق شرطية الديكور والجرافيك بإنتقاء الديكور والإكسسوار والأزياء المناسبين لخلق فضاءات مشهدية مبهرة.
مخرج العمل سامر البرقاوي
“سامر البرقاوي” الذي حلّق عاليا في سماء الإخراج مطلقاً العنان كعادته لعدسته في التعامل مع الصورة والشخصيات، من خلال لمسة خاصة نابعة عن امتلاكه لخيال إبداعي واسع، تمكّن من خلاله بسلاسة رصد المعالم المادية للمشهد، وبإستخدام تدرجات ضوئية وتمايزات لونية رسم معالم الصورة في شكلها الجمالي الجذاب، لنرى حالة بصرية غنية ومبهرة تتضافر فيها الإضاءة مع الديكور لتوجد فضاءات مشهدية متفردة، تتناغم مع تدبدبات الخطوط الدرامية التي تقدّمها الشخصيات بأدائها الجيّد جدا والممتاز، الشيء الذي استحق الإشادة بالتعامل الإحترافي للممثلين مع أدوارهم، ويبقى أداء الشخصية الأساسية لوحدها حالة خاصة.
تيم حسن بطل مسلسل “تاج”
في “تاج” تيم حسن كان السبّاق لأداء شخصية الملاكم التي لم يعرضها أي عمل سابق، النجم العربي الذي يتعامل مع نجوميته بذكاء، فهو يسعى دائما لتلبية فضول الجماهير التي تتابعه عبر انتقائه بعناية للشخصية التي يؤديها، ليلامس من خلالها تعطشهم وتلهفهم لرؤية وجه آخر وجديد لبطلهم المتمكن من إدارة أدواته والمُتيقّن من إمكانياته، لحد يشعرك فيه بشغفه لتجسيد الشخصيات التي تحمل غنى في تفاصيلها، كأن حل شفرتها لعبته، وقدر ما تشعبت تناقضاتها وتعمقت تعقُّداتها قدر ما تفنن هو في لَعبها بشكل مرعب، لحدّ أخرجه اليوم من دائرة المنافسة مع بقية النجوم وسط الساحة الفنية، فقد بلغ مستوى آخر أصبح فيه النجم السوري ينافس فقط نفسه.
في الموسم الدرامي السوري، مسلسل “تاج” بأسلوب متفرد في السرد البصري والإخراج، قدّم جهدا خرافيا في توثيق تاريخي لدمشق المدينة بالذاكرة، وجعَلَها حاضرة بتفاصيلها وأجوائها سياسيا وحضاريا في تلك الفترة، ما لم يتحقق في جُلِّ الأعمال التي طرحت الشام وأهلها قديما بصورة مشوهة كسرت المرآة بين صناع الدراما وبين الواقع.
” تاج” تاج الأعمال الدرامية لهذا العام، وملحمة شعبية تاريخية تعيد الدراما السورية لمكانها الريادي، وتجعلها حاضرة بعبقها الدمشقي الأصيل من خلال مشاهدها الحارة والدافئة، كما كانت سابقا إحدى النماذج الفنية الرائدة عربيا.