تشهد الساحة الدولية تصاعدًا لافتًا في وتيرة سباق التسلح النووي بين الولايات المتحدة وروسيا، مع تركيز كلا الطرفين على تطوير منظومات صاروخية متقدمة تعزز قدراتهما في الردع الاستراتيجي وتعيد رسم موازين القُوَى.
ففي الوقت الذي تسرع فيه موسكو وتيرة تطوير صواريخ جو-جو مزودة برؤوس نووية قادرة على إحداث تحولات نوعية في ميدان القتال الجوي، تكثف واشنطن من اختبارات صواريخها الباليستية العابرة للقارات، في رسالة تؤكد استمرار قوة الردع النووي الأمريكي بوسائل حديثة.
صاروخ “آر-37 إم” الروسي
يمثل صاروخ آر-37 إم إحدى أبرز القفزات في القدرات الجوية الروسية، إذ يُعتقد أنه مزود برأس نووي مصغّر، وتصل سرعته إلى ماخ 6، ما يجعله أسرع صاروخ جو-جو في العالم، بمدى يبلغ 400 كيلومتر، ليأتي في المرتبة الثانية بعد الصاروخ الصيني “بي إل-إكس إكس”.
ويحمل الصاروخ رأسًا نوويًا يزن نحو 60 كيلوغرامًا، وهو ما يتجاوز بأشواط قدرات الرؤوس التقليدية المستخدمة في الصواريخ الجوية. ويمكن لمقاتلات ميج-31 بي إم وسو-35 الروسية حمل أربعة صواريخ من هذا الطراز، ما يمنحها قدرة على تدمير أسراب من الطائرات، موجات صواريخ كروز، أو أعداد كبيرة من الطائرات المسيّرة دفعة واحدة.
وقد خضع “آر-37 إم” لاختبارات مكثفة في ساحات القتال الأوكرانية، ونال تقييمات إيجابية من الجانب الروسي وبعض المراقبين العسكريين الغربيين.
اختبارات الصواريخ العابرة للقارات
في المقابل، أجرت الولايات المتحدة ثاني اختبار لصاروخ باليستي عابر للقارات (ICBM) خلال العام الجاري، حيث أطلقت صاروخًا غير مسلح — لكنه قادر على حمل رؤوس نووية — من قاعدة في كاليفورنيا باتجاه المحيط الهادئ.
وتُعد صواريخ ICBM أحد أركان “الثالوث النووي” الأمريكي، إلى جانب الغواصات النووية والقاذفات الاستراتيجية. ويمثل صاروخ “مينتمان 3” العمود الفقري للردع النووي الأرضي الأمريكي، بمدى يصل إلى 9600 كيلومتر، وسرعة تبلغ 24 ألف كيلومتر في الساعة (20 ماخ).
تفوّق أمريكي عددي وتقني
تمتلك الولايات المتحدة حوالي 400 صاروخ “مينتمان 3” موزعة في صوامع عسكرية بعدة ولايات، مقابل 300 صاروخ نشط لدى روسيا من طراز RS-24 يارس وأنظمة أخرى.
وفي حين يصل مدى الصواريخ الروسية إلى 11 ألف كيلومتر، وتعمل موسكو على تطوير صاروخ “سارمات” بمدى 18 ألف كيلومتر، تواصل الولايات المتحدة تحديث ترسانتها ضمن برنامج “سينتينل”، الذي يستهدف استبدال صواريخ “مينتمان” بحلول عام 2030.
من حيث عدد الرؤوس النووية، تتفوّق واشنطن بامتلاكها 3748 رأسًا نوويًا حتى عام 2023، مقارنة بـ1500 رأس نشط لدى روسيا.
الاستراتيجيات العسكرية
تعتمد روسيا على مبدأ “الردع النووي غير المتماثل”، لموازنة التفوّق العددي والتقني للناتو، عبر تطوير أسلحة قادرة على ضرب أهداف كبيرة أو متعددة بضربة واحدة، مثل صاروخ “آر-37 إم”. كما تكثف موسكو من تدريباتها النووية التكتيكية وتوسع قواعدها قرب حدود الناتو، خصوصًا في فنلندا وإستونيا.
في المقابل، تركز الولايات المتحدة على الحفاظ على “الثالوث النووي” المتوازن بين الصواريخ الأرضية، الغواصات النووية، والقاذفات الاستراتيجية، مع استثمارات ضخمة في تحديث الترسانة النووية وتعزيز التعاون الدفاعي مع الحلفاء، فضلًا عن نشر أنظمة دفاعية متقدمة في أوروبا والمحيط الهادئ.
إشارات تصعيد واضحة
شهدت الفترة الأخيرة نشر روسيا مقاتلات MiG-31BM الحاملة لصواريخ “آر-37 إم” في المناطق الحدودية مع الناتو، إلى جانب تدريبات نووية مكثفة في المنطقة القطبية.
في المقابل، أجرت الولايات المتحدة أربعة اختبارات لصواريخ ICBM خلال 12 شهرًا، وهو أعلى معدل منذ الحرب الباردة، إلى جانب إطلاق صاروخ “مينتمان 3” في مايو 2024. كما تستعد واشنطن لنشر غواصات “كولومبيا” الجديدة الحاملة للصواريخ النووية اعتبارًا من عام 2031.
فارق هائل بالإنفاق العسكري
وبلغ حجم الإنفاق العسكري الروسي نحو 86 مليار دولار في عام 2024، مقابل 886 مليار دولار أنفقتها الولايات المتحدة، ما يعكس الفارق الكبير في الإمكانات المالية والموارد الاستراتيجية بين الطرفين.
وبذلك يتواصل السباق النووي بين موسكو وواشنطن، في مشهد يعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة، وَسْط تصاعد المخاوف الدولية من احتمالات اتساع المواجهة إلى مستويات أكثر خطورة.