في مثل هذا اليوم من عام 1900، شهدت الصين واحدة من أكثر الفصول دموية في تاريخها الحديث، عندما أصدرت الإمبراطورة الأرملة تسيشي، الحاكمة الفعلية للإمبراطورية الصينية آنذاك، أوامر بمهاجمة الرعايا الأجانب في البلاد، بما في ذلك الدبلوماسيون وأسرهم، في ذروة أحداث ما عُرف تاريخيًا بـ “ثورة الملاكمين”.
انهيار الصين
كانت الصين مطلع القرن العشرين تمر بظروف سياسية واقتصادية بالغة التعقيد، في ظل تزايد النفوذ الأجنبي داخل البلاد، خاصة بعد سلسلة من الهزائم العسكرية والمعاهدات المجحفة التي فُرضت على بكين من قِبَل القُوَى الغربية واليابان.
وأمام هذا الواقع، نشأت حركة شعبية عنيفة أطلق عليها اسم “الملاكمون” أو “جمعية القبضات العادلة والمتناغمة”، اتخذت من معاداة الأجانب والشركات الأجنبية والمبشرين المسيحيين شعارًا لها.
قرار الإمبراطورة الأرملة
ومع تصاعد أعمال العنف في مختلف أقاليم الصين، وجد البلاط الإمبراطوري نفسه محاصرًا بين ضغوط القُوَى الدولية من جهة، وتنامي قوة الملاكمين من جهة أخرى.
وبتحريض من بعض كبار رجال الحاشية والمستشارين المحافظين، أقدمت الإمبراطورة الأرملة تسيشي على إصدار أمر مباشر في يونيو 1900 بمهاجمة الأجانب الموجودين داخل الصين، بما يشمل قتل الدبلوماسيين وأسرهم والمواطنين الغربيين ورعايا الدول الأجنبية، إلى جانب الصينيين المتحولين إلى المسيحية.
حصار الحي الدبلوماسي ببكين
أعقب هذا القرار حصار شديد تعرض له الحي الدبلوماسي في العاصمة بكين، استمر لأكثر من خمسين يومًا، حيث احتشد الآلاف من ثوار الملاكمين حول مقار السفارات الأجنبية، وهاجموا العديد من المباني، وَسْط مقاومة شديدة من الحاميات الأجنبية القليلة التي دافعت عن الدبلوماسيين وعائلاتهم.
رد الفعل الدُّوَليّ
في مواجهة هذا التصعيد الخطير، سارعت ثماني دول كبرى إلى تشكيل تحالف عسكري دُوَليّ ضمّ كلًا من بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، اليابان، روسيا، الولايات المتحدة، النمسا-المجر، وإيطاليا.
أطلقت هذه الدول حملة عسكرية واسعة النطاق عُرفت باسم “حملة التحالف الثماني”، تمكنت من الوصول إلى بكين في أغسطس 1900، بعد معارك عنيفة مع القوات الصينية وثوار الملاكمين.
هزيمة الصين ومعاهدة قاسية
أسفرت الحملة عن فك الحصار عن الحي الدبلوماسي، وهزيمة القوات الصينية، واضطرار الإمبراطورة الأرملة إلى الفَرَار من العاصمة.
وفي سبتمبر 1901، وقّعت الصين مع القُوَى الأجنبية “بروتوكول بكين”، الذي فرض عليها شروطًا قاسية، تضمنت دفع تعويضات ضخمة، وتعزيز الوجود العسكري الأجنبي، وفرض قيود على الأنشطة العسكرية الصينية، فضلًا عن معاقبة قادة ثورة الملاكمين.
سقوط النظام الإمبراطوري
فيما لا تزال أحداث عام 1900 تمثل علامة فارقة في تاريخ الصين، وذكرى أليمة لفترة شهدت واحدة من أسوأ موجات العنف ضد الأجانب، أدت إلى تدخل دُوَليّ غير مسبوق، وأعادت تشكيل المشهد السياسي في الإمبراطورية الصينية حتى سقوط النظام الإمبراطوري مطلع عام 1912.