شهدت المجتمعات الإنسانية جرائم تقشعر لها الأبدان غاب عنها العقل والمنطق وتحول فيها القاتل إلى بريء والجاني إلى المجني عليه، وساد الظلم في أبشع أشكاله حتى أزال عنها الزمن الستار.
واحدة من تلك القضايا البشعة، كانت اتهام سيدة بالقتل بالسحر الأسود في بداية عام 1692، والتي راح ضحيتها 24 شخص من سكان مدينة دانفرز بالولايات المتحدة الأمريكية.
والمدمي للقلب أن أحد تلك الضحايا كانت طفلة لم يتجاوز عمرها الأربع سنوات والتي قتلت بأبشع الطرق دون برهان أو دليل.
قتل بالسحر الأسود
البداية كانت في مدينة دانفرز الأمريكية، عام 1962، حينما أقدم شخص يدعى ساموئيل باريس بشراء اثنتين من العبيد لتعتنيا بأطفاله، كما كان متعارف عليه في هذا العصر.
كانت أحدى تلك العبيد شابة تدعى “تنوبا” والتي حظيت بثقة السيد “باريس” وتولت مسئولية رعاية أبنته “بتي” 7 سنوات، وابنة أخيه “بيجال” 11 عام.
وفي تلك الحقبة الزمنية كانت الثقافة السائدة قراءة كتب السحر والتنبؤات، بل أن تلك الكتب كانت تستهوي الشعب الأمريكي خاصة فئة الأطفال والمراهقين.
الخادمة تتوبا
ومن هنا تبدأ المأساة حيث ساق حظ الخادمة “تتوبا” العسر إلى سرد تلك القصة للطفلتين من باب التسلية؛ غير أن مزحه أحداهما تسببت في كارثة بشعة.
ففي يوم حالك بدأت الفتيات بمحاولات صبيانية لممارسة السحر الأسود، غير أنه ودون أي مقدمات انتابت الفتاتان حالة تشبه الصرع ولم يعرف حتى اليوم هل كانت تلك الحالة حقيقية فعلًا، أم أنها كانت مجرد مزحه سمجة لإثارة ذعر من حولهما، وجذب الاهتمام.
وعلى الفور قام الأبُّ “ساموئيل” باستدعاء الدكتور وليم جرجس، والذي بدوره لم يصل إلى أي سبب طبي يجعل الفتيات تصل لتلك الحالة من التشنج، لتتهم على الفور السيدة “تتوبا” بممارسة السحر الأسود على الفتيات.
ولم يكن أثبات التهمة على الخادمة “تتوبا” بالأمر الصعب، فبعد أن شهد الطبيب أنه لا يوجد أي سبب طبي يجعل الفتيات يصلان لتلك الحاجة من التشنج، تم التشخيص بان الفتيات ممسوسة بالسحر الأسود والذي كان جريمة لا تغتفر وتستوجب القتل فورا دون رحمة أو شفقة.
جماعة بيورتنز المسيحية المتشددة
وما زاد الطين بلة، أن جماعة “بيورتنز” المسيحية المتشددة والتي كانت تؤمن بالتطبيق الحرفي لكل ما ورد بالإنجيل، تسيطر على المدينة ومن ضمن أحكامها معاقبة السحرة بأشد العقوبة وقتلهم، غير أن تلك العقوبات والمحاكمات كانت تفتقر إلى الدليل والمنطق.
وبسبب حالة الهلع التي انتابت البلدة التي انتشر فيها خبر “السحر الأسود” ضغط السيد ساموئيل بشدة علي الطفلتين ليعرف منهما من فعل بهما ذلك، وتحت وطأة الضغط الشديد والذعر اعترت الفتاتان على الخادمة تتوبا أنها من فعلت ذلك.
فأصدرت الجماعة المسيحية المتشددة قرار بالقبض عليها والتحقيق معها.
تعذيب حتى الاعتراف
وفي ساعة التحقيق تم تعذيب الخادمة بشدة حتى اعترفت أنها كانت تمارس السحر الأسود دون دليل واحد على صحة ما قالت غير أنها قررت أن تنجو من العذاب إلى الموت.
وادعت الخادمة “تتوبا” أمام هيئة المحكمة أن كلبًا أسود هو الذي أمرها بممارسة السحر والشعوذة على الطفلتين، وهددها بالموت إن لم تفعل ذلك.
كما قالت أيضا أن هناك بملابس سوداء زارها، وطلب منها أن توقع باسمها في دفتر غريب شاهدت فيه أسماء القائمين على أعمال السحر والشعوذة في المدينة، على الرغم من أن العبيد في هذا الزمن كانوا لا يجيدون القراءة أو الكتابة.
ومن هنا بدأت المجزرة التي أطاحت بحياة 24 شخص، حيث انتشرت حمى اصطياد المشعوذين.
صائدي المشعوذين
والمضحك المبكي في تلك الحقبة أن صائدي المشعوذين كانوا يستعينون بـالطفلتين بتي وأبيجال لمعرفة إذا كان الشخص مشعوذ أم لا، عن طريق عرض المتهمين الجدد عليهم فإن صرختا، حكم القاضي على الفور بإعدام المتهمين، ولا عزاء للعق أو المنطق.
وأستمر تلك العبث من الإعدامات العشوائية من عام 1692إلى 1693، حتى وصل عدد الضحايا لـ24 شخص تم قتلهم جميعا بتهمة الشعوذة.
المثير للسخرية أن من ضمن المحكوم عليهم بالإعدام بتهمة ممارسة السحر الأسود طفلة صغيرة لم تتخطى 4 سنوات.
وعلى الرغم من صغر سن الطفلة وعدم معقولية أن تكون ساحرة أو مارست آي طقس من طقوس السحر تم إعدامها دون شفقة ولا رحمة.
الحاكم وليم فبسس
وظلت المجزرة حتى جاء الحاكم الجديد وليم فبسس الذى استنكر كل ما حدث، وأمر بالعفو عن باقي المتهمين و إنهاء تلك القضية التافهة.
لتظل القصة المروعة حبيسة التاريخ، غير أن أرواح الأبرياء المتهمين أبت أن تستريح قبل أن تشهد العالم على الظلم الولايات المتحدة في ذلك الزمن.