يشهد السودان حاليًا موجة فيضانات مدمرة وغير معتادة في توقيتها وشدتها، خاصة في ظل استمرار ارتفاع مناسيب النيل الأزرق والنيل الرئيسي حتى أواخر سبتمبر وأكتوبر، وفي قلب هذه الأزمة المائية، يبرز دور مصر المحوري على عدة أصعدة، أبرزها دورها كصمام أمان لمنطقة المصب، وموقفها السياسي والفني تجاه أسباب الأزمة.
يتمثل الدور الأبرز لمصر في هذه الأزمة من خلال السد العالي، الذي يلعب دورًا حيويًا كصمام أمان يحمي مصر والسودان من تداعيات تقلبات الإيراد المائي.
أن الكميات الهائلة من المياه التي تتدفق حاليًا من الهضبة الإثيوبية وعمليات التصريف الكبيرة من سد النهضة، التي وصلت إلى أكثر من 700 مليون متر مكعب يوميًا في بعض الأوقات كانت ستغرق مساحات واسعة من جنوب مصر – أسوان والمناطق الجنوبية لولا وجود السد العالي وسعته التخزينية الضخمة (162 مليار متر مكعب).
ويمتلك السد العالي القدرة على استيعاب هذه التدفقات المفاجئة والضخمة، والتي فاقت بكثير المعدلات الطبيعية للفيضان في هذا التوقيت، مما يجنب البلاد كارثة طبيعية حقيقية.
تعتبر مصر أن الفيضانات الحالية في السودان، هي نتيجة مباشرة لـ التصريف العشوائي وسوء إدارة التشغيل لسد النهضة الإثيوبي، خاصة مع تقارير عن تعطل بعض التوربينات واضطرار إثيوبيا لفتح بوابات السد لتصريف المياه الزائدة بعد تجاوزها لمناسيب معينة، وذلك دون تنسيق مسبق مع دولتي المصب.
استغلت مصر هذه الكارثة لتجديد تحذيراتها المتكررة للمجتمع الدولي بشأن المخاطر المباشرة لسد النهضة، خاصة في ظل غياب أي اتفاق قانوني ملزم ومنسق للتشغيل. وقد تم طرح أزمة سد النهضة مجددًا في المحافل الدولية، مشددة على أن الإجراءات الأحادية لإثيوبيا تزعزع الاستقرار وتضر بمصالح دول المصب.
أكدت مصر على ضرورة وجود آلية تنسيق فني واضحة ومُلزمة بين إثيوبيا والسودان ومصر لإدارة تشغيل سد النهضة وسدود السودان مثل الروصيرص وسنار، بشكل مشترك، لتفادي الكوارث التي تنتج عن الإجراءات الفردية وغير المنسقة.
إن الدور المحوري لمصر في مواجهة فيضان السودان الحالي يتمحور حول الحماية الذاتية والإقليمية التي يوفرها السد العالي لمنطقة المصب ككل، أما على المستوى السياسي، فتستخدم مصر هذه الأزمة كدليل واقعي على صحة تحذيراتها الفنية السابقة، وضرورة التوصل إلى اتفاق يضمن عدم تكرار مثل هذه الكوارث الناتجة عن الإدارة غير المنسقة للموارد المائية المشتركة.

